الخميس , مارس 28 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / ليس دفاعاً عن الصادق المهدي، ولكن لا خير فينا إن لم نقلها!

ليس دفاعاً عن الصادق المهدي، ولكن لا خير فينا إن لم نقلها!

في الطبعة الثامنة من كتابي (منهج التحليل الثقافي: مشروع الدولة الوطنية السودانية وظاهرة الثورة والديموقراطية) الصادر في الخرطوم عن الدار البيضا للنشر والتوزيع أواخر شهر أكتوبر 2018م، تناولت ضمن الآثار السالبة لنظام الإنقاذ وتحديات تصفية تركة الإنقاذ، حتى بعد انقضاء أجلها، ظاهرة أسميتُها “فاتيّات السياسة”. وهي تسمية أخذتها من قصيدة لسيد أحمد الحاردلو في هجاء أحد سفهاء الإسلاميين إذ وصفه بجملة “فاتيّة النظام”. وقد تلخصت وجهة نظري أنه في زمن الانحطاط، وكأثر مباشر لانحسار الفكر والمفكرين الذين كانوا يسوّقون ويزيّنون الأيديولوجيا السائدة (هنا الأيديولوجيا الإسلاموعروبية) جرّاء مرورها بمرحلة الانفجار ideological crash، دون أن تتمكن الحركة الفكرية والثقافية الناهضة من الإمساك بدفة الأمور للوصول بسفينة المجتمع إلى بر الأمان- قلتُ هنا يبرز الساقطون في المشهد السياسي العام ليلعبوا دور ضمير الأمة. ويتلخص تكتيكهم بكل بساطة في الإزراء بالناس وبرموزها، متسلحةً بالابتزاز والإرهاب والمزايدة. فتراهم يُقبلون اليوم على فلان، فيكيلون له من الشتائم ومقذع القول، فاحشِه، ما يؤمّل فيه أن يُلحق به الزراية في أعين الخاصة والعامة. وبما أنه لا توجد عادةً شخصية عامة بلا أعداء، عقلاء أو غير عقلاء، تكون هناك غِبطة مكتومة إزاء هذه الزراية الفاجرة لدى بعض عصافيري الأحلام من ذوي الموجدة السياسية وتغابنها. كما، في الجانب الآخر، يخشى المشفقون على أنفسهم أن تُصيبهم هذه الجائحة، فتراهم يلتزمون الصمت ويقفون موقف المتفرج. وما درى الفريقان أن دوائر الانحطاط سوف تدور عليهم وأنه، إن عاجلا أو آجلا، سوف تشملهم جائحة هؤلاء “الفاتيّات” وستنالهم بدورهم الزراية الفاجرة. وناقشنا كيف ينبغي التصدي لهذه الظاهرة بشجاعة وقوة وحسم بوصفها جزءاً من ظاهرة الإنقاذ المضادة، كونها تتظاهر بأنها تعارض الإنقاذ، بينما هي في الحقيقة تمثل الوجه الآخر للإنقاذ بموجب عملة اسمها الانحطاط.
وهكذا رأينا وسمعنا كلنا ولا زلنا نعايش جائحة التسجيلات الصوتية والمرئية المشحونة بالسباب والشتيمة وفاحش القول فاجره فيما يعرف في الثقافة السودانية بمسمى “الفاتيّة” الذين أعجزتهم الكتابة الناهجة، فوجدوا ضالتهم في التسجيلات الصوتية والمرئية، استسهالا للكلام وتسفيها للأحلام.
ولا ينبغي أن يتوجه اللوم إلى من يقعون تحت طائلة مسمى “فاتيّة”، فهؤلاء موجودون في كل زمان ومكان، منحصرين في دوائرهم المغلقة (قاعدين في علبهم)، ولا يخلو منهم مجتمع؛ وما بروزُهم في المشه العام إلا بسبب الفراغ الذي يحدث في الحالات الاستثنائية التي يكون فيها ضمير المجتمع عالقا in a limbo. لكن العلة في تمدد واندياح دائرة الانحطاط التي كلما زادت، كلما جعلت ضحاياها من عامة الشعب ومثقفيه أكثر قابلية للالتفات إلى سفه “الفاتيّات” وساقط قولهم وفاحشه وفجورهم، ما يجعلهم يستأسدون حتى تراهم يستعرضون الناس في الطرقات، طرقات الفكر والسياسة والمجتمع شتما وتسفيها.
في هذا السياق برزت مؤخرا تلك التسجيلات من إحدى أبرز رموز ظاهرة “فاتيات” عصر الانحطاط، فيها تطعن في نسب الصادق المهدي، بين جملة تسجيلات أخرى تكيل فيها من السباب والشتائم وفاحش القول فأجره لأبنائه الأفاضل وبناته الفضليات ما تصطكُّ له المسامع.
الصادق المهدي، بالنسبة لقطاع كبير من الساسة والمثقفين وكاتب هذه السطور واحد منهم، فيه من العيوب السياسية والفكرية وحتى السلوكية ما يكفي لسلخ التاريخ كله في تدبيج النقودات والتحليلات ثم الإدانة له، دون الانزلاق إلى حمْأة الفجور، ودون التخلّي عن العقل العاقل للعاطفة أو القلب الواجب بالحب وحنان الإنسانية المطلقة. فحتّى إذا صدق ما تقوله هذه “الفاتيّة” في حقه ونسبه (وهو كلام باطل ومغلوط من أساسه للعالمين ببواطن الأمور ونربأ بأنفسنا عن أن نبذل مقدار ثانية من الزمن لكشف هُرائه وإلا كنّا أضفينا عليه من المصداقية ما يجعله أهلا للرد)، فآخر ما ينبغي أن يُسأل عنه المرء ماذا فعل به والداه. هذا وإلا كنا قد حكمنا على الأطفال مجهولي الأبوين بالإعدام اجتماعيا وسياسيا. 
وبعد، لسنا من نقف مدافعين عن الصادق المهدي، فهو ليس بمعقود اليد أو اللسان، مغلولهما. لكنا هنا ندافع عبره عن قيم هذا الشعب الصابر ونبذل الجهد، جهد المُقِلّ، حتى لا يُساق نحو حمأة الانحطاط والسقوط في زمن الانحطاط هذا. وإنما لهذا أعلنّا مرارا وتكرارا تحفّظاتنا على “موضة” التسجيلات الصوتية والمرئية، محاربةً منا لظاهرة “الفاتيّات السياسية” التي فشت وطغت مؤخرا. لقد آن الأوان ليعلن كل مثقف ويحدّد موقفه من هذه الظاهرة المنحطّة. أما الذين يزورّون عن المواجهة فسيأتي يوم تدور عليهم فيه الدوائر وعندها سوف يعلمون أيّ منقلبٍ ينقلبون.

محمد جلال أحمد هاشم
الخرطوم 8 ديسمبر 2018م

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.