الأحد , سبتمبر 29 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / لماذا تتمرد الأطراف في السودان؟

لماذا تتمرد الأطراف في السودان؟

القدس العربي اللندنية
24/9/2018

بقلم: دكتور الشفيع خضر

أطراف البلاد، وليس مركزها، هي مصدر الثروة وأسباب الحياة والمعيشة في السودان. فالأطراف هي التي تنتج الفائض الإقتصادي من الزراعة والرعي والتعدين، وهي التي ترفد المصانع والحقول والمؤسسات الخدمية بالعمال والزراع، وهي التي توفر الجنود للجيش والشرطة لبسط الأمن والأمان وحماية الوطن. ورغم كل ذلك، تعاني هذه الأطراف، أشدّ المعاناة، من الإجحاف والإهمال والتهميش، ويسكنها التوتر العرقي والقومي والاجتماعي، حتى أصبحت ميدانا للحرب الأهلية. بعد إستقلال السودان، 1956، ورث وتبنى الحكم الوطني مشروع الإستعمار البريطاني الإقتصادي، والذي يركز على التنمية في المثلت الواقع في وسط البلاد، حيث مشروع “الجزيرة” والسكة حديد وصناعة النسيج وبعض الصناعات الصغيرة الأخرى. وكانت الفكرة المعلنة هي إستخدام عائد مشاريع هذا المثلث لتنمية الأطراف. لكن، سقطت الفكرة بفشل المشروع الموروث والمُتبنى، وبفشل تقديم الإجابات الصحيحة لأسئلة بناء دولة ما بعد الإستقلال، وفي مقدمتها سؤال كيفية المشاركة العادلة في السلطة وكيفية الإقتسام العادل للموارد والثروة، بين كل المكونات القومية في البلاد. وفي ذلك، تكمن جذور أسباب تهميش هذه الأطراف وتناقضاتها المزمنة مع المركز. ونتيجة لهذا التهميش، والذي تجلى أيضا في سياسات الإستعلاء العرقي والثقافي، أعلنت الأطراف تمردها على المركز، رافضة التهميش، ومطالبة بعلاج خلل معادلة قسمة السلطة والثروة عبر إعادة هيكلة، أو إعادة بناء، الدولة السودانية على أساس الإعتراف بالتنوع والتعدد، ومبدأ قبول الآخر. صحيح أن التمرد في جنوب السودان إنطلق عنيفا مسلحا منذ بداياته الأولى في العام 1955، لكن تمرد الأطراف الأخرى، لم ينفجر فجأة، ولم يبدأ منذ الوهلة الأولى بالشكل المسلح الذي نراه الآن. فقد شهدت خمسينات وستينات القرن الماضي قيام أندية وجمعيات وروابط جهوية وقبلية في المركز/العاصمة، أسسها أبناء تلك المناطق والقوميات من المتعلمين والمستنيرين العاملين في العاصمة، بهدف دفع سلطات المركز/الحكومة لتوفير الخدمات من صحة وتعليم ومياه شرب نظيفة…الخ، لمناطقهم الطرفية والبعيدة عن المركز. وفي محاولة لمزج ثقافاتها بالثقافة السائدة في المركز، كونت تلك الأندية والروابط الجهوية فرقا فنية تعبر عن ثقافات مناطقها وقومياتها، وتتغنى بها في كل مناسبات المركز، خاصة في أعياد ذكرى الإستقلال. ولعل دلالة ذلك واضحة كل الوضوح. كما كوّنت هذه الأندية والروابط فرقا رياضية فرضت نفسها على هيكل التنظيم الرياضي في المركز/العاصمة. وإلى هنا، والسياسة لم تكن حاضرة، أو حاضرة بشكل خافت ومستتر، لكن العين الواعية سياسيا كان بمقدورها إبصار نطف الإحتجاج والتمرد السياسي في هذا الحراك. وتدريجيا بدأت السياسة تفرض نفسها وسط هذه الأندية والروابط، من داخل الأحزاب التقليدية في البداية، ثم لاحقا في شكل تنظيمات مستقلة، مثل مؤتمر البجا، إتحاد عام جبال النوبة، تحالف قوى الريف…الخ، ومن يومها بدأ جنين التمرد يتخلق وينمو. لكن، لم تكن النخبة السياسية الحاكمة، بما فيها أحزاب الأمة والإتحادي، ترى في كل هذا الحراك سوى تهديد لنفوذها، لذلك ظلت توسمه بالعنصرية والعصبية القبلية، في حين هو ليس كذلك. وهكذا، بدأ حراك الأطراف مطلبيا إجتماعيا، وسعى للحصول على الخدمات بالذهاب إلى المركز ما دام الأخير لا يأتي إلى مناطقه. ثم إنتقل الحراك إلى موقع السياسة والبحث عن حلول عبر التحالفات مع هذا الحزب أو ذاك. ومع مرور الزمن، وتراكم السياسات الخاطئة، وفي مقدمتها فشل قسمة السلطة والثروة، تفاقمت التشوهات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، مكرسة إستئثار فئات معينة بالسلطة والثروة، ومفارقات تنموية بين المركز والأقاليم المختلفة، ومعاناة الأغلبية الساحقه من شعبنا جراء الضائقة المعيشية حتي أصبح زهاء 95 % من المواطنين يرزحون تحت خط الفقر في بلد غني بثرواته الزراعية والحيوانية والمعدنية، بترولا وذهبا! ومع إشتداد سطوة الإستعلاء وسط النخب الحاكمة في المركز، وإستخدامها العنف لترويض الحركات المحتجة في الأطراف، ومع ظهور أجيال جديدة من أبناء هذه المناطق، تتمتع بقدر ملحوظ من العلم والإستنارة، إنفجرت هذه الحركات في ثورات مسلحة معلنة تمردها ضد المركز، ومطالبة بالرجوع إلى منصة التأسيس لإعادة هيكلة الدولة السودانية. وهذا التمرد، لم يكن ضد سلطة المركز وحدها، وإنما تفجّر ضد القوى السياسية التقليدية التي ظلت لفترات طويلة تحتكر التعبير عن هذه المناطق، لكنها فشلت في تلبية مطالبها، بل زادت الطين بلة بممارساتها السياسية الخاطئة والمتراكمة عبر السنين.
قد تخفت حدة هذه الصرعات مؤقتا، وقد ينحسر طابعها العسكري، ولكنها أبدا لن تخمد وتنتهي، وحتما ستتفجر، وفي الغالب بصورة أعنف، ما دام وقودها موجودا. لن تنطفئ نيران هذه الصراعات والتمردات  إلا بتجسيد العدالة الإجتماعية، والمدخل الوحيد لذلك هو تحقيق المشاركة العادلة في السلطة والثروة. والمشاركة العادلة في السلطة تعني مشاركة كل القوميات والإثنيات في نظام للحكم جوهره تقنين التعددية وحسن إدارة التنوع وتحقيق الديمقراطية الواسعة والمرتبطة بتوفير لقمة العيش. أما المشاركة العادلة في الثروة فتعني توزيع عائدات الثروة على أساس مبدأ قومية كل الموارد والثروات الطبيعية في السودان، مع  التأكيد على إزالة المظالم عبر المعاملة التفضيلية للأطراف وخاصة المناطق المتأثرة بالحرب والمناطق الأقل نموا، وتوظيف ثروات البلاد في إعادة تعمير وتأهيل الانتاج الزراعي والحيواني والبنية التحتية واقتناء التقنية الحديثة لترقية الصناعة وخلق فرص العمل وتوفير الخدمات مثل مياه الشرب النقية والعلاج والتعليم، وفي تصفية آثار الحرب الاهلية وعلاج مأساة النزوح واللجوء، وفي محاربة الأوبئة والزحف الصحراوي وحماية البيئة..الخ.
إن مهمة بحجم إعادة بناء الدولة السودانية لا يمكن أن ينجزها حزب واحد أو مجموعة أحزاب مؤتلفة، فهي مهمة شعب بأسره، وتشترط تغييرا جذريا في الواقع السياسي الراهن لخلق الأجواء الملائمة. والتغيير الجذري يتطلب ويشترط التحالف المتين بين قوى التغيير في المركز والأطراف، وبين المجتمع المدني والأهلي، وإستقرار العلاقة التكاملية بين الحركة السياسية والمجتمع المدني.

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.