*الاقتتال القبلي نموذجا*
تابعت التفاعل وردات الفعل، للاقتتال القبلي بين *قبيلتين سودانيتين* في ولاية القضارف، إحدى القبيلتين تمتهن الرعي والأخرى تمتهن الزراعة، ولقد تابعنا مثل هذه الأحداث كثيراً خاصة في دارفور وكذلك بدأت نذرها تلوح في الجزيرة.
أغلب ردات الفعل كانت *ضمن نفس السياق الذي أنتج الاقتتال أو ماتم تغليفه به….*
*نفس منهج الأزمة، وهو الاصطفاف القبلي، انتظم فيه المحللون والناشطون والتغييريون….*
ليعود الناس للأسئلة التي تعتبر إحدى تمظهرات عقل الأزمة مثل:
*من هم الوافدون، ومن هم الاصليون؟*
*ومن الأقدم في المنطقة؟* ويمتد الأمر ليدور الحوار حول *الشعوب الأصلية،* ولتنتهي الحوارات والتحليلات إلى *تسطيح الصراع إلى زرقة وعرب* في منطقة جديدة.
*(قميص جاهز يمكنه استيعاب توصيف أغلب الصراعات القبلية ).*
السؤال المركزي:
*هل هذه الأسئلة تشكل المدخل الصحيح لتحليل الأزمة ومن ثم إنتاج الحلول؟*
بصيغة أخرى *هل استخدام نفس الأدوات التي أنتجت الأزمة، يصلح كمدخل لتحليل وإنتاج الحلول لها؟*
هل تكمن الإشكالية، في *محاولة الهروب من استحقاق البحث والتفكير العلمي المسؤول والجاد للتعامل مع الأزمات،* لمصلحة استسهال إطلاق النعوت والتوصيفات الجاهزة والساهلة؟
أم هي مسألة *مقصودة لإغراق البلد في رمال متحركة،* من خلال ترسيخ القبلية وكل التكوينات تحت الوطنية كعامل أساسي في تكوين الدولة السودانية؟
*قوى التغيير وتغييب الخطاب التغييري الوطني لمصلحة خطاب القبائلية والإثنية:*
المعروف أن هناك *هشاشة في البناء الوطني،* ساهمت فيها الأنظمة المتعاقبة التي حكمت البلاد ، واستفحلت في ظل نظام الإنقاذ والذي لم يكتفي *بتجميد عملية تطور البناء الوطني الديمقراطي، بل عمل على إرجاع الأوضاع إلى مكوناتها الأولية… القبيلة… خشم البيت… الإثنية، لينزوي الخطاب الوطني وحتى الخطاب المناطقي، لصالح التكوينات الأولية التي ذكرناها سابقا.*
الإشكالية أن كثير من قوى التغيير *وقعت في فخ تغييب الخطاب الثوري التقدمي الوطني، لمصلحة الخطاب القبلي والإثني المتخلف.*
فأصبح تحليل الصراعات القبلية يتم من *نفس الزاوية التي يتم من خلالها التجييش للصراع والفتنة، حيث يتم التحليل متاثراً بالإنتماء القبلي والعشائري،* ونرى كيف يكون الاجتهاد في *إرجاع هذه القبيلة أو تلك إلى اثنيتها وبالتالي عرقنتها، وعليه يتم اتخاذ المواقف.*
وضمن هذا السياق المشحون بالعصبيات والاصطفافات القبلية، يتم تجاوز طرح الأسئلة الجوهرية على شاكلة:
*_لماذا يتم هذا الصراع القبلي في الأصل؟*
*_وهل مثل هذه الصراعات تتم في دولة حديثة ؟*
*_ماهي الآليات والشروط الموضوعية التي يتم عبرها حل هذه القضايا بشكل جذري؟*
*(ماهي الآليات لبناء الدولة الحديثة )؟*
*_هل الاجتهاد في محاولة إثبات أن هذه القبيلة أو تلك، هي من بدأت الاعتداء يساهم في حل القضية من جذرها؟*
*_هل الحديث عن دور الإدارة الأهلية كاف للتعامل مع مثل هذه القضايا؟*
*_كيف يتم تفكيك سلطة القبيلة كوحدة قادرة على الفعل السياسي، واستغلالها لتنفيذ طموحات بعض أبنائها، لمصلحة بناء وتعزيز سلطة الدولة والقانون، واعلاء قيمة المواطنة؟*
هذه بعض التساؤلات التي أراها جوهرية في التعامل مع هذه القضية وعبرها يستطيع الجميع *تقديم اجابات وحلول خارج أدوات وعقل وثقافة الأزمة.*
إن قضية الصراعات القبلية التي تحدث في السودان، وآخرها الصراع الذي حدث في ولاية القضارف في محلية القلابات، *يلخص ويشخص باقتدار طبيعة الأزمة الوطنية ، المتمثلة في عدم اكتمال البناء الوطني الديمقراطي، وغياب مفهوم وثقافة الدولة، وسيادة ثقافة ومفهوم القبيلة والعشيرة في التعاطي السياسي، وتأثيره في سلوك مؤسسات الدولة تجاه مواطنيها.*
*#احمد_بابكر*
3/8/2018