الأحد , سبتمبر 29 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / الحزب الشيوعي السوداني  / د. الشفيع خضر في أول حوار بعد فصله من الحزب الشيوعي (1-2)

د. الشفيع خضر في أول حوار بعد فصله من الحزب الشيوعي (1-2)  :
لست نادماً على تصفية تيار "الخاتم عدلان"
""""""""""""""""""""""""""""
فصلي من الحزب (قصة) انتهت و لن أشغل بالي بالذي ذهب جُفاء.
""""""""""""""""""""""
الماركسية ليست سدرة المنتهى ولاخاتمة المعرفة وكثير من مفاهيمها، لم تعد تنسجم مع معطيات العصر.
""""""""""""""""""""""""""""
لن تجدي في الماركسية حلول جاهزة لأزمة دارفور، ولا قضايا السدود أو مشروع الجزيرة.
""""""""""""""""""""""""""""""""""
لايختلف اثنان في أن الخروج المدوي لدكتور الشفيع خضر مع آخرين بالفصل من الحزب الشيوعي؛ قبل وقت قصير من المؤتمر العام السادس للحزب، نهاية يوليو الماضي، شكل الحدث الأبرز داخل الحزب وخارجه. ولم يكتف طرفا الصراع بالمفارقة بإحسان، فتبادلا "كرة اللهب" على هيئة اتهامات بالغة

د. الشفيع خضر في أول حوار بعد فصله من الحزب الشيوعي (1-2)

د. الشفيع خضر في أول حوار بعد فصله من الحزب الشيوعي (1-2)  :
لست نادماً على تصفية تيار “الخاتم عدلان”
“”””””””””””””””””””””””””””
فصلي من الحزب (قصة) انتهت و لن أشغل بالي بالذي ذهب جُفاء.
“”””””””””””””””””””””
الماركسية ليست سدرة المنتهى ولاخاتمة المعرفة وكثير من مفاهيمها، لم تعد تنسجم مع معطيات العصر.
“”””””””””””””””””””””””””””
لن تجدي في الماركسية حلول جاهزة لأزمة دارفور، ولا قضايا السدود أو مشروع الجزيرة.
“”””””””””””””””””””””””””””””””””
لايختلف اثنان في أن الخروج المدوي لدكتور الشفيع خضر مع آخرين بالفصل من الحزب الشيوعي؛ قبل وقت قصير من المؤتمر العام السادس للحزب، نهاية يوليو الماضي، شكل الحدث الأبرز داخل الحزب وخارجه. ولم يكتف طرفا الصراع بالمفارقة بإحسان، فتبادلا “كرة اللهب” على هيئة اتهامات بالغة القسوة بلغت حد التخوين. ونفث في روع كثير من المراقبين أن قرارات الفصل أتت لقطع الطريق أمام الشفيع من الترشح لمنصب سكرتير الحزب. ثم عاد الجدل كثيفاً بعد أن هدأت العاصفة التي أثارتها القرارات بإلحاح عن مصير التيارات التجديدية داخل المنظومات الآيدلوجية وكيفية إداراة الصراع الفكري داخل هذه الأجسام، ولمن الغلبة. الشفيع خضر يحاول – من خلال هذا الحوار – طرح إجابات بشأن الأسئلة الكبيرة، ما موقفه بالضبط من الماركسية، كيف ينظر إلى الأزمة الوطنية في إطارها العام، وما مستقبله وإلى أين وجهته القادمة. وإلى التفاصيل:

الخرطوم: القاهرة : شمائل النور

بداية، هل لنا أن نتحدث عن ما جرى داخل الحزب الشيوعي من خلافات قادت إلى فصلكم؟

عفواً، هذه المحطة تعديتها، ونشوف محطة جديدة. وما كتب ونشر في هذا الموضوع يكفي تماما. فهناك قرار الفصل وحيثياته، وهناك تصريحي الصحفي ورسالتي لمؤتمر الحزب حول الموضوع، وهناك مؤتمر الحزب ووثائقه …أما بالنسبة لي، فهذا الفصل من فصول القصة قد انتهى، ولن أشغل بالي بالذي ذهب جُفاء، سأركز في الذي تبقى وينفع الناس.

كيف تُقيّم اللجنة المركزية الجديدة للحزب؟

أفتكر أن الذي من حقه التقييم هو الشعب السوداني بناءً على أداء اللجنة، أما أنا فأتمنى لهم التوفيق.

إذن ماهي خيارات الشفيع، إلى أين الوجهة بعد مفارقتك الحزب؟

غض النظر عن الموقع الذي أكون أو سأكون فيه، فإن خياراتي ستظل كما هي، منذ أن تبنيتها مبكراً مع دخول خطوط الوعي الأولى إلى حياتي. وخياراتي هذه هي التي حددت هويتي، أليست الخيارات التى نبحث عنها بين ثنايا القدر ونتبناها، هي التي تحدد من نحن؟.

نعم، لكن بشكل مباشر، أين وجهة الشفيع في المرحلة القادمة؟

بوصلة خياراتي، أو القضية الأساسية بالنسبة لي فهي أزمة الوطن بتجلياتها المختلفة، وكيفية التوافق على مشروع وطني مجمع عليه؛ بهدف إعادة بناء وهيكلة الدولة السودانية. وكما ذكرت في تصريحي الصحفي الأخير وفي رسالتي إلى المؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوداني، فإن خياراتي لن تفارق خط اليسار الطامح إلى تحقيق قيم المساواة والحرية فى بلادنا، وسأواصل العمل، من أي موقع، مع الآخرين من شرفاء الوطن، في أي موقع هم، من أجل: وقف الحرب الأهلية، ودحر نظام الفساد والاستبداد، وتحقيق التحول الديمقراطي والتنمية المتوازنة والعدالة الإجتماعية، ورفع التهميش وصون حقوق الإنسان وبناء دولة القانون والمؤسسات.

لكن، كيف تنزل خياراتك هذه، هل ستؤسس حزباً جديداً، مثلاً؟

ليس بالضرورة، وفي نفس الوقت لن أتسرع بالنفي أو التأكيد.

بمعنى أن لديك عدداً من الخيارات؟

طبعاً، نظرياً؛ كل الخيارات متاحة ومفتوحة، لكن هنالك عوامل تتحكم في تحديد وتبني أياً من هذه الخيارات. مثلاً، غير وارد تبني خيار ناتج من رد فعل، فالأداة أو التنظيم الذي ينشأ كنتيجة لرد فعل لحدث ما، سرعان ما ينزوي، مثل كوب (الأندروس) الفوار، أو كما جاء في العبارة المشهورة “النتائج الفطيرة كالبالونة، تنتفخ بسرعة وتنفجر بسرعة”. مثلما لن أتعامل مع الأدوات والتكوينات التي تبنى على أساس الشعارات المجردة، أو تسبح في خيالات التهويمات الأيديولوجية.

لماذا؟

هذه، في نظري، ستظل تنظيمات معلقة في الهواء، ومنفصلة عن الواقع. وإذا كنت منذ فترة أنادي بضرورة أن تترجل من مقاعد القيادة كل القيادات المعمرة، سواء معمرة من ناحية عمرها البيولوجي أو مدة بقائها في القيادة، فالأولى أن ينطبق ذلك على شخصي. ومن ناحية أخرى، فإن الأمر ليس قراراً فردياً أو إرضاءً للذات، بقدر ما هو استجابة للحوجة الموضوعية، وعبر تناصح جماعي. وعموماً، كما قلت لك: الخيارات متاحة ولا أرى داعياً للاستعجال.

هل من خياراتك أن تنضم لحزب آخر؟

غير وارد على الإطلاق.

ألم يعرض عليك أي حزب الانضمام إليه؟

لا، لم يحدث

الشفيع خضر، متهم بأنه أحد الذين قاتلوا بضراوة لتصفية تيار الخاتم عدلان، بينما أنت الآن تُعتبر امتداداً لهذا التيار؟

هذا الحديث، أو الاتهام، أبتدره شخص واحد، وربما ردده بعده شخصان أو ثلاثة. والحديث جاء في موقع الهذيان والارتباك ، وهو يحاول درء الهجوم الشعبي الكاسح الذي واجه قرارات الفصل من الحزب.

أليست هي الحقيقة؟

هو حديث بعيد كل البعد عن الحقيقة، وتنقصه العلمية، بل ويناقض المنهج الديالكتيكي الذي يتبناه ذلك الشخص. فالحدثان، خروج الراحل الخاتم عدلان وفصل الشفيع من الحزب، يفصل بينهما أكثر من عشرين سنة. فلا الظرف هو الظرف، ولا الشفيع هو الشفيع، ولا الذي دار في الحزب قبل عشرين سنة هو الذي دار الآن، ولا الأطروحات – آنذاك – هي ذات الأطروحات اليوم. ثم أن خروج الراحل الخاتم من الحزب ترتب عليه تأسيس تنظيم جديد موجود الآن في الساحة، لم يندثر أو يتجمد في نقطته الأولى كتيار.

عفواً، دعني أكرر السؤال بطريقة أخرى، أنت كنت من الذين قاتلوا لتصفية تيار داخل الحزب، وأنت الآن ضحية التصفية إن جاز التعبير؟

طبعاً وضعي الحزبي – آنذاك – كان يقتضي أن أحافظ على وحدة الحزب.

قاتلت لتصفيته؟

قاتلت، غير مناسبة.

ألست نادماً؟

لست نادماً

في الصراع الأخير في الحزب الشيوعي، البعض يتهمك بأنك خلعت الماركسية، فهل هذا صحيح؟

إذا كان هؤلاء يقصدون بالماركسية تقديس نصوصها والتعامل معها، وكأنها كتبت مرة واحدة لتبقى بشكلها الأول دون مراجعة أو تطوير، أو كأنها هي سدرة المنتهى وخاتمة العلم والمعرفة، فهذه لاعلاقة لي بها، وفي الحقيقة هذا لا علاقة له بالماركسية ولا بماركس نفسه.

إذن، ماذا تمثل الماركسية بالنسبة لك؟

بالنسبة لي، الماركسية هي إحدى أكثر أدوات الفكر التي أبدعها الإنسان تأثيراً وفعلاً، وستبقى جزءاً رئيساً من مكوّنات نبع المعرفة، ولكنها ليست المكون الوحيد. هي مصدر ثري جداً للفكر الإنساني، لكنها ليست المصدر الوحيد. وهي منهج لدراسة الواقع وكيفية تغييره، لكنها ليست المنهج الوحيد. وهي مرشد للبحث والنقد الثوري للمجتمع، ورؤية للثورة الاجتماعية، لكنها ليست نظرية متكاملة لديها علم الماضي والحاضر والمستقبل.

كأنك تساوي بين الماركسية والمناهج الفكرية الأخرى؟

الذي تتفرد به الماركسية، في نظري، فهي الوحيدة التي حددت أساس الاستغلال وأساس تغيير علاقات الإنتاج. لكن، تم تشويه الماركسية وتحويلها إلى عقيدة جامدة، في حين أنها، ومن خلال الممارسة، قابلة للتطور والتجديد، وهي تكتسب قوّتها من انفتاحها الدائم على النقد والفكر النقدي.

لماذا تحولت الماركسية إلى (عقيدة جامدة) بينما تقول إنها قابلة للتطور والتجديد؟

أعتقد أن الماركسية شوهت واعتقلت في براثن الجمود؛ عندما تم اختزالها وابتذالها في مجرد قوانين وتجريدات وحتميات وأكلشيهات ثابتة خارج إطار الواقع الملموس المرتبط بالزمان والمكان، وخارج إدراك الناس لما يطرحه منظرو وكتّاب الأحزاب الشيوعية من كتابات مبتسرة لا تخرج عن كونها إعادة صياغات وتكرار للنصوص، في حين أن التطورات التي حفل بها عصرنا الراهن، في مختلف مجالات الحياة والعلوم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والنفسية، دللت على أن العديد من المقولات والمفاهيم التي تعتمدها الماركسية، لم تعد تنسجم مع معطيات وظروف وخصائص العصر الحديث، ولم تعد صالحة للتعامل مع هذا الواقع الجديد.

كيف تواجه الماركسية التطور لتوائم مفاهيمها معطيات العصر الحديث؟

بالطبع، فإن مقاومة الابتذال والتشويه لأي أطروحات نظرية يتطلب تطوير أدوات الفكر، وتحرير الفكر من القيود، وتجنّب فخّ الإيديولوجيا؛ من حيث هي تركيب وتلفيق هادف ومغلق، من دون التناقض مع كون الإنسان حاملاً بالطبع لإيديولوجيا، حين النظر إليه في حقل السياسة. هذه المقاومة لن تنجح إلا بفتح باب الاجتهاد والتفكير الحر.

حسناً، تحدثت كثيراً عن تشويه الماركسية، من شوهها؟

التشوهات نتجت من الجمود الفكري الذي وسم قيادات الأحزاب الشيوعية والانغلاق النظري الذي فرضته على العاملين في مجال الثقافة والفكر، ونظرة الاستعلاء إزاء الأطروحات النظرية الأخرى وإزاء نتاج الثقافة والفكر من خارج المعسكر الماركسي، والادعاء بامتلاك الحقيقة. كل هذا أسهم في خلق أجواء غير صحية أوصدت الأبواب في وجه كل المحاولات الجادة في التصحيح والتجديد. كما ساهم في التشويه، الخلل البين في ممارسات الأحزاب الشيوعية الحاكمة تجاه قضايا الديمقراطية والحق والقانون والدولة والعدالة والحرية وحقوق الإنسان، وغير ذلك من قضايا الإنسان المصيرية. إن التعامل مع الماركسية كعقيدة وطقوس هو الذي أقعد الأحزاب الشيوعية وأوقعها في براثن الجمود والتخلف.

تحديداً، ومن وجهة نظرك، أين هي مكامن الجمود في الماركسية؟

أعطيك عدداً من الأمثلة: أولاً: سياسات وممارسات المعسكر الاشتراكي السابق، وخاصة الاتحاد السوفييتي، خلقت تناقضاً حاداً بين مفهومي الأممية والقومية أو الوطنية، دون مراعاة المضمون التاريخي والشروط التاريخية والواقع الملموس للمسألة القومية في هذا البلد أو ذاك. تعميم هذا التنافض المغلوط، أدى إلى غربة كثير من الشيوعيين عن مجتمعاتهم التي لم تعد الاشتراكية تعني لها سوى كونها استيراداً لنموذج نظري – سياسي – اقتصادي واجتماعي، بدلاً من أن تكون سبيلاً إلى وعي يعيد تشكيل نفسه باستمرار، ومنهجاً في التفكير لإبداع حلول لتناقضات مجتمعاتهم، حلول ينتجونها في ضوء دراسة واقعهم الملموس والمحدد.

كيف ؟

تم تعميم اللوحة الخماسية لتطور التاريخ الأوروبي، من التشكيلة المشاعية البدائية إلى العبودية، إلى الإقطاع، فالرأسمالية، ثم الإشتراكية، تم تعميم هذه اللوحة الخاصة بأوروبا على كل مجتمعات العالم، في حين توجد شواهد كثيرة تنفي هذا التعميم، كما أن التمسك بأطروحة أن الاقتصاد هو العامل الوحيد المحرك للتاريخ، وتجاهل عوامل أخرى مهمة وحاسمة.

ماذا تقصد بتجاهل عوامل أخرى مهمة وحاسمة بشكل دقيق؟

مفهوم “ديكتاتورية البروليتاريا”، بصيغته الصريحة أو المستترة خلف مفهوم “الديمقراطية الشعبية”، أدى إلى الانزلاق نحو البيروقراطية والشمولية والاستبداد، فضلاً عن أنه يتناقض مع فكرة إمكانية الوصول للإشتراكية عبر الديمقراطية، وتجاهل أن الطبقة العاملة متغيرة كغيرها من الطبقات، واختزال الأمر في مفهوم سيطرتها، والتعامل مع الصراع الطبقي كحرب مقدّسة، والنظر إلى “الثورة” كمعطى نهائي لم يكن ماركس قد حسمه بالطريقة التي فعل بها لاحقوه، والتعامل مع الديالكتيك المادي، لا كأداة تحليل علمي، وإنما كعقيدة قطعية، وكقوانين مبسّطة ومختزلة حتى الهلهلة، وتجاهل أن الديالكتيك هو أيضاً أداة لفهم عالم الإنسان، الأنا، جوهره المادي والروحي. أي النفاذ إلى خبايا الفرد الغامضة والمليئة بالأسرار الخفية والآثار العاطفية الكامنة. والمنهج الفلسفي العلمي يرفض أن يكون الإنسان مجرد “آلة اجتماعية ” أو ” ذي بعد واحد”، وإنما يتعامل معه باعتباره شخصية حرة ذات تفكير انتقادي، شخصية متفردة ومتميزة بالمسؤولية والأصالة والمبادرة والإبداع. وفي الحقيقة فإن ثنائيات الشخصية والمجتمع، المواطن والدولة، الفرد والجماعة…الخ، كلها جوانب مختلفة لقضية واحدة. لكن الوطنية والتجانس الاجتماعي ووحدة المجتمع والفرد لا تعنيان الرتابة أو النمطية أو اللون الواحد أو الفكر الواحد، كما كان سائداً في التجربة الاشتراكية، بل العكس فهي تعني الإبداع، النبوغ، التعددية، التنافس…الخ.. كل هذا، وغيره، أدّى إلى إغلاق الفكر والتعامل الطقوسي معه، ممّا جمّده وأوقع به في عكس ما كان يهدف أصحابه ومؤسّسوه.

ثم ماذا؟

أخيراً: عدم الاهتمام الكافي بالثورة الصناعية التقنية، والثورة الرقمية الرابعة، علماً بأن التعميمات الفلسفية عند مؤسسي الماركسية ارتبطت بالاكتشافات والثورة العلمية، آنذاك. وطبعاً الثورة الصناعية التقنية والرقمية أحدثت تغيراً هائلاً في الطبقة العاملة؛ من حيث مستوى معيشتها وأسلوب حياتها ومستواها الثقافي ونوعية مطالبها وتطلعاتها…الخ. صحيح أن كل ذلك لا يغير من طبيعة الاستغلال الواقع عليها، ولكن لابد من أخذه في الحسبان. ثم إن الثورة التقنية والرقمية أدت إلى تقارب الوحدة العضوية بين العمل اليدوي والذهني في الإنتاج وتكوين جيش الثقافة والعمل. والإصرار على الفصل بين الطبقة العاملة والطبقة الوسطى، أو التقليل من دور الطبقة الوسطى في التغيير، هو مجرد وهم آيديولوجي لا علاقة له بالواقع.

هل لازلت تعتقد أن الماركسية تصلح للتطبيق في الواقع السوداني؟

في تقديري، فإن المسألة الجوهرية هي كيف ندرس ونحلل الواقع السوداني، وكيف نقدم حلولاً للأسئلة المصيرية التي تواجه الوطن، وما هي أفضل الطرق لخدمة شعبنا في اتجاه الحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية. ومباشرة أقول لك: لن تجدي في الماركسية إجابات مباشرة لهذه الأسئلة المصيرية، ولن تجدي فيها حلول جاهزة للتطبيق لأزمة دارفور أو الحرب الأهلية في جنوب النيل الأزرق أو جنوب كردفان، أو الشرق، أوقضايا السدود أو مشروع الجزيرة أو القضايا الأخرى في البلد. فالماركسية ليست علماً تطبيقياً(Applied science) في كل صفحة من صفحاته وصفة لحل هذه القضية أو تلك.

إذن ماذا تقدم الماركسية؟

الماركسية لاتمتلك ولم تقدم، صياغات أو تصورات متكاملة لتغيير الواقع، أي واقع، وإرساء البديل، وإنما طرحت فرضيات لبعض المؤشرات العامة حول المداخل للعدالة الاجتماعية. وبالمناسبة، لقد تم تحديث الحياة وتطويرها في العديد من بلدان العالم بدون الماركسية. انظري إلى بلدان مثل كوريا الجنوبية وجنوب افريقيا والبرازيل والدول الاسكندنافية. لكني، وبذات الوضوح، أقول إن المنهج الديالكتيكي الماركسي هو الأقرب لأن يقدم قراءة صحيحة لدراسة الواقع السوداني، أكرر دراسة؛ وليس تقديم حلول جاهزة. الحلول تأتي على ضوء هذه الدراسة وبمشاركة ومساهمة أصحاب المصلحة.

بمعنى؟

أنا أنادي، بدلاً من الانطلاق من نظرية عامة لبناء واقع نظري خاص بمجتمع معين، نبدأ من دراسة الواقع الخاص بهذا المجتمع، ومن هذه الدراسة نخرج بتعميمات نظرية مرتبطة بهذا الواقع. وتحديداً أنادي باستخدام الديالكتيك الماركسي لدراسة واقع تاريخ السودان الاجتماعي والسياسي، واقع إرثه العربي والإسلامي والأفريقي، وبالطبع أيضاً واقعه الراهن، وضرورة أن يتم ذلك في تلاقح وانفتاح على مجمل التجارب الإنسانية في العالم، ومن كل ذلك نخرج باستنتاجات نظرية حول تطور الثورة الاجتماعية في السودان. أعتقد أن هذا هو الإسهام الوحيد والممكن للماركسية في تغيير الواقع السوداني.

وفيما يخص السياسة، ماذا تقدم الماركسية؟

اختصاراً، فيما يخص السياسة وحال البلد وواقع التغيير، فإن السودان لا يحتاج إلى منظومة ماركسية، بالمعنى الفلسفي، بقدر ما هو محتاج لمنظومة وطنية متحررة من العصبيات الدينية والعرقية والطائفية، تتبنى المنهج الديالكتيكي لدراسة الواقع والسير بالبلاد نحو الحداثة وتحقيق العدالة الإجتماعية.

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

• أوسع استنكار ورفض للقمع الوحشي للمواكب

Share this on WhatsAppبيان جماهيري من سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني • أوسع استنكار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.