من الواقع الثقافي / قصة قصيرة

سامح الشيخ

نشأت اخلاص الفتاة الابونسية ذات المحيا المشرق كشمس  طلعت بعد ليلة خريفية ماطرة ،ممشوقة القوام واسعة العينين ترى فيهما ذكاءها ورجاحة عقلها ،  وببشرتها التي تفوق لون البن المحروق نضارة ولمعانا ، نشات في حضن والدتها ( ليلى) في  أحد الأحياء الامدرمانية القديمة بالعاصمة ذات التداخل والتواصل الاجتماعي الذي ذابت فيه وانصهرت قبائل وشعوب وتحررت من تلك القيود التي تعيق الإنسانية . وهي تشابه بعض الأحياء في المدينتين اللتين احداهما بالضفة الشرقية للنيل الابيض والأخرى بالضفة الشرقية للنيل الازرق ، ويشكل الثلاثة مدن ما يعرف بالعاصمة المثلثة.

لم تكن طبيعة معظم أحياء العاصمة المثلثة بنفس طبيعة الحي الذي تعيش ونشات به اخلاص ذو الطبيعة المنفتحة على الاخر ، والتي تتعايش معه وتقبله وترحب به ، لذلك كان معظم سكان عاصمة البلاد خلف ابوابهم المغلقة واحيانا غير المغلقة يتندرون ويسخرون من طبيعة مثل هذه الأحياء  فكان أن اشتهرت اغنية ( حلتكم بعيدة وانا بخاف من عبيدها  ) هذا غير النكات التي اشتهرت عن أحد أطباء الأسنان المتوفيين وهو من ظرفاء المدينة انه اشتكت له إحدى بنات الحي الجميل عن الإساءة التي تعرضت من قبل بعض سائقي الطريق العام الذين يميزون بين الناس حتى بنية فضل الظهر ، فرد الطبيب الساخر أن هولاء اساءوا لخادم الحرمين الشريفين فكيف لا يسيئون( لخادم ) وذكر اسم ذلك الحي الجميل .

وقف أبناء عبدالرحمن بشير  سمسار العربات والعقارات المعروف حوله  تعلوا حواجبهم الدهشة  وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ، ويوصيهم ويفاجئهم حين اعلمهم  لاول مرة أن يعطوا اختهم اخلاص غير الشقيقة  حقها في الميراث كاملا بحسب الوصية الموثقة والمحفوظه مع محاميه وطلب منهم ان  يدعوا لله له أن يغفر له وأن  يطلبوا له من اخلاص ووالدتها العفو ايضا ، لأنه لم يكن قادرا على الاعتراف  والاعلان عن زواجه من والدة اخلاص  او الاعتراف بابوته لها وأنه كان يتمنى أن يرى اخلاص بجانبه قبل رحيله .