الخميس , أبريل 25 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / كتب /علاء الدين الدفينة. (ذهبان)…جدلية العرش والشيطان. (4)…

كتب /علاء الدين الدفينة. (ذهبان)…جدلية العرش والشيطان. (4)…

التحقيق.
قبل ان يغادر المحقق غرفة التحقيقات اخبرني بانني اصبحت موقوفا لدى الامن السعودي قيد التحقيق بتهمة الدعوة للعصيان المدني ضد حكومة عمر البشير … في البدء كنت اعتقد ان الامر لن يتجاوز اياما او بضع اسابيع…لم اتوقع ان يطول الامر لثمانية شهور ونصف من العذاب المرير…وبما انها لم تكن التجربة الاولى لي في الاعتقالات فقد كنت متماسكا بعض الشي… ولكن ذلك لا يعني ان الهموم كانت بمناى عني… فالسمعة السيئة والقبيحة عن الامن السعودي ومعتقلاته كانت تعشعش في ذهني…وكانت تراودني اهوال سبعة اعتقالات مررت بها من قبل لدى الامن البشيري مع ثمانية عشر استدعاء في ظروف متفرغة خلال حكم البشير الظلامي البغيض… كل ذلك مر بخاطري في شريط ماساوي مرير.
ادخلوني الزنزانة رقم 12 في جناح التحقيات الانفرادي رقم 3 … كان ذلك في فجر اليوم الثاني من الاعتقال… نادى حارسي باعلى صوته (يا عسكري…يا رقيب… افتح)… وجاوبه صوت خشن (ادخله رقم 12)… لم اكن ارى شيئا…وكنت في قمة التعب والارهاق والجوع والعطش… اوقفوني مقابل بوابة الزنزانة…سمعت تكة خفيفة ثم صوت مفتاح يدار في القفل…وقبل دخولي للزنزانة نزعوا عني عصابة العينين كما فكوا القيود عن يدي ورجلي…وامروني بالدخول…تركت القيود القاسية اثارا مؤقتة على جسدي…واحسست براحة عظيمة عند نزعها.
الزنزانة متسعة…وهي عبارة عن جدران وسقف وارضية كلها من الخرسانة المسلحة…ذات بوابة كهربائية سميكة مغلقة اغلاقا تاما…تتوسطها نافذة صغيرة جدا ذات مزلاج يتم فتحها للطعام والشراب والادوية… وعلى الجدار سماعة للتخاطب مع غرفة التحكم المركزية لكل الجناح…ومن السقف تنبعث اضاءة قوية جدا مسلطة على النزيل كل الوقت كما تطل كاميرا للمراقبة تنبئك كل لحظة انك لست وحيدا…وفي مؤخرة المكان حمام جيد الاعداد يضم مغسلة من الاستيل.
وضعوني بداخلها وانصرفوا…هممت بالنوم في درجة تكييف عالية… اسمع من حين لاخر بعض الاصوات…بعضها لمساجين يناجون الله باعلى صوتهم… كانت عبارات ياااا رب وياااا الله تزلزل المكان وتهز الصمت هزا وتبعث الطمانينة في النفوس وترعب الحراس… وتخبرك عن اسود كاسرة تضمها هذه الزنازين… و اصوات اخرى للعساكر الذين يتبادلون الحديث في امور متفرغة تنبعث من اماكن متفرقة من حين لاخر.
بعد فترة سمعت وقع خطوات قرب الباب… وصوت ينادي بفتحه… كنت استند على الجدار حينما دخل احد الجنود الملثمين وبصحبته عامل اسيوي بائس يحمل مرتبة ضخمة واغراضا تشمل ثيابا اخرى وفرشاة اسنان ومعجون وصابون سائل وشامبو وسجادة صلاة… وضع الجندي امامي ورقة بالمحتويات وطلب مني ان ابصم باستلامها…وفعلت ذلك… طلبت منه ان ياتيني بما اشربه ومصحف … واجابني (اطلب من الخدمات)..ثم انصرف…ولم اشرب الا بعد ساعات… ولم استلم المصحف الا بعد مرور اسبوعين وبعد طلبات متكررة…كانت اجابتهم الثابتة (اطلبه من مكتبة السجن).
رحت في سبات عميق ايقظتني منه اصوات عالية وحركة دؤوبة هي اصوات وحركة المناوبة الصباحية.
فتحوا نافذة الباب الصغيرة وناولوني الافطار والشاي ثم اغلقوها في مكانها… لم اتناول منها سوى الشاي… وطلبت منهم ماء اشربه جاءوني به بعد فترة… فتحوا النافذة مرة اخرى وطلبوا منى اخراج الزبالة…وبما انها الليلة الاولى لي فلم يكن ثمة شي القيه في الخارج…لذا بقيت في مكاني قبل ان يعاودوا اغلاق النافذة…وبعد حوالي نصف ساعة فتحوا الباب وامروني بالخروج.
اقتادني احد الجنود خارج الزنزانة في ممر طويل… في هذه المرة لم يعصب عيوني…تبينت صالة طويلة وارقاما على زنازين متقابلة في ممر طويل…خرجت من البوابة الرئيسية للجناح وهي بوابة صلبة ذات تحكم الي وتواجهها غرفة التحكم المركزية للجناح وبداخلها ثلاث جنود مكشوفي الاوجه لم يتجاوز اكبرهم الثلاثين من العمر بحسب وجوههم… قبالة غرفتهم غرفة صغيرة جدا ادخلوني لها وبداخلها سماعة تلفون وطلبوا اجراء محادثتين الاولى مع فرد من الاسرة على ان يكون من الدرجة الاولى والثانية مع السفارة اخبرهم فيها بانني مسجون في سجن ذهبان التابع للامن السعودي بشرط الا احدد التهمة والا اتحدث مطلقا عن قضيتي او اي شي ورد في التحقيق والا اذكر اي اسم لاي شخص… وان يكون نص المحادثة (انا علاء الدين الدفينة تم سجني بواسطة الامن السعودي بسجن ذهبان في جدة)… ولا ازيد.
وافقت على الاتصال باسرتي ورفضت الاتصال بالسفارة… سالني بتعجب واستغراب (ايش تقول؟)… اجبته مرة اخرى (اوافق على الاتصال باسرتي وارفض الاتصال بالسفارة السودانية)…سالني مرة اخرى (ليش ترفض تتتصل بسفارتك؟)… اجبته (هذه السفارة لا تمثلني بل تمثل نظام البشير)… وضع العسكري السماعة من يده واخرج ورقة من درجه وطلب مني ان اكتب بانني رفضت الاتصال…اجبته بانني لا ارفض الاتصال…بل ارفض اتصال السفارة… اجرى مكالمة مع طرف اخر يبدو انه رئيسه واخبره بموقفي… ثم وضع امامي ورقة وطلب مني ان اكتب انني ارفض الاتصال بالسفارة وابصم عليها… وفعلت…لم يسمحوا لي بمكالمة الاسرة واعادوني للزنزانة…في الطريق همس لي العسكري (انصحك لو سالوك عن السبب ان تقول لا يوجد سبب)… ادخلي للزنزانة وانصرف تاركا لي اطنانا من الافكار… جلست متوسطا المرتبة وانا افكر فيما اقدمت عليه…وعزمت على التزام موقفي…بعد قليل فتحوا الباب ودخل بضع جنود وبرفقتهم احد الضباط وكان مكشوف الوجه…كان احدهم يحمل كاميرا فيديو ويوثق في المقابلة…سالني الضابط عن رقمي في السجن ورقم هويتي وجنسيتي واجبته… سالني هل ترفض مكالمة سفارتك؟ اجبته…نعم… سالني عن السبب واجبته بسؤال اخر (ليه اتصل بالسفارة؟) قال لي لانها سفارتك… قلت له هي لا تمثلني …هذه السفارة وطاقمها وسفيرها تمثل نظام البشير ومن يؤيده كما ان اخبارهم بانني تم القبض علي وايداعي السجن بواسطة الامن السعودي ليس الا تحصيل حاصل… سالني (كيف يعني تحصيل حاصل)…اجبته بانني وبحسب ما تم شرحه لي رسميا تم اعتقالي وفق امر وتوجيه نظام البشير وسفارته وهذا يعني انهم على علم باعتقالي لانهم هم الذين طلبوا منكم ذلك واخباري لهم بانني قيد الاعتقال يعني ان الامر تحصيل حاصل ولا يخرج عن كونه (بشارة) لهم بان تم لهم مرادهم…سالني الضابط (عندك اضافة؟) قلت له لا…حينها انصرف هو وجنوده…ولم يسمحوا لي ان اتصل بالاسرة الا بعد مرور 28 يوما…

علاء الدين الدفينة.

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.