الخميس , أبريل 25 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / أخبار لالا اليومية / الفرن الذهبى   

الفرن الذهبى   

   قصه قصيره
//محمد احمد

فى احدى الليالى الشتويه التى صادفت موجة برد عاتيه لم يسبق لها مثيل ،، حيث وصلت درجة الحراره ادنى مستوياتها،وكان البرد لايحتمل على الاطلاق،ذلك البرد القارس الذى يصحب معه زمهريرا” شتويا” يبدو كأنه معزوفة” موسيقيه نادره تهدأ لها نفوس المرضى النفسيين، ويظهر صوت المزمار الحزين كتغريدة عصفور حبيس يتوق لنيل الحريه من ذلك القفص الحديدى الضيق ، فصوته كان كصافرة القطار العاليه التى تبشر اهل المدن البعيده بعودة الغائبين، رغم كل هذا إلا اننى كنت ارتدى ملابس صيفيه خفيفه مليئه بالثقوب ،، و ارتجف من شدة البرد القاتل، والذى وجد مدخلا الى عبر فتحات قميصى الممزق ،كأنه اذن له بالدخول فى حاله اشبه بالتآمر للقضاء على  غير مهتما” من لسعات ذلك البرد والتى تبدو كلسعات ثعبان ضخم ، يلتف فيا بقوه شديده  وبضغط هائل محطما” عظامى ،كاتما” انفاسى ، غارزا” انيابه الطويله فى جسدى مفرغا” كل سمه فى لحمى كأنه يريد  يريد الانتقام و بغبن شديد ، قوته المفرطه كانت كالمفرمه لسعاته كانت اشبه بهذا البرد العجيب ، احسست و كأننى اتجمد !! أنفى و يداى اصبحتا كالزجاج قابلتين للكسر من درجة الحراره المنخفضه ،، رجلاى لم اعد اشعر بهما، اسير و كأن الارض قد حجبت عنى جازبيتها مودعا” إياى الى الابد ، دون سابق انزار و فى ظاهرة لم تسمع بها البشريه من قبل ، فإذا بى احس سخونه فى الجو !! بدأ البرد فى البرد غى الانخفاض وبشكل تدريجى ، اختفى إرتجافى و احسست بالدفء ،عدت الى الاعتدال  بدأت اشعر بأطرافى الخدره لكننى تساءلت عما يجرى فى فى داخلى ؟؟؟ بدأت قواى العقليه بالضغط على مخيلتى تركيزا” فى الجانب العلمى والجيولوجى و الفلكى ،، بحثت فى كل مناهج التحليل العلميه ، استجمعت معظم اقوال علماء الطبيعه  لكننى لم اصل الى شيئ البته !! اندهشت لهذا الانقلاب المفاجئ فى الطقس !! سألت نفسى فى تلك اللحظه هل اختلت موازين كوكبنا ؟؟ هل هذه نهاية العالم ؟؟ هل هذه بداية حرب بيولوجيه لعينه كغموض الإيبولا ؟؟ هل هناك قوى خفيه تريد إبادتنا و الإستيلاء على بلادنا الغنيه ؟؟ ام ماذا ؟؟  ماذا يجرى ؟؟ عم صمت ،،،، صمت مطبق ،، لاحراك ،،،، الارض ساكنه تماما” !! ثم بدأ الجو بالاعتدال كأنه الهدؤ الذى يسبق العاصفه ،، كانت حبيبتى تجلس بالقرب منى ، غير مباليه غير مباليه بذلك البرد القارس و لا حتى بعد الاعتدال ،، كأننى الوحيد الذى شعر بتقلبات الطقس الغريبه،، احيانا نتجازب اطراف الحديث فى المعقول واللامعقول ، نتحاور ،، نتجادل احيانا” كأننا فى مناظره سياسيه لاتعرف الرماديه ،،نحلم ،، نتفاءل احيانا” بالمستقبل ،، فى ذات مره نظرت الى السماء متخيلا” صورتها وهى تتزين بالحلى الذهبيه وترتدى الثوب السودانى الجميل مخضبه يديها و رجليها بالحناء والرسومات الجميله ،، معها ثلاث صغيرات جميلات للغايه ،،فجأه قالت لى : ألا تبدو مولودتنا الجديده جميله مثل اختها الكبرى التى تشبهك؟؟ لبرهه علمت انهن بناتى ،، فغمرتنى سعاده لاتوصف ،،فكم تمنيت ان يكون لى بنات جميلات يحملن صفاتى ،،الكبرى لاتفارقنى البته كأنه عشق خرافى او صداقه ابديه ،، الوسطى سمراء لم ار جمالا”مثله فى الوجود ،،جاده عندما تتحدث ،صادقه ، لا تكذب ابدا”، تشبهنى لدرجة المطابقه،، اما الصغرى فتعشق امها اكثر ولا تبارحها ، انها اسرتى الصغيره الصغيره السعيده ، نعيش فى انسجام تام يحبوننى حد الجنون ، رغم حبى للسفر إلا اننى لم اعد اسافر ،، تركته ،، فأنا لا اقوى على فراقهن ولو لساعات فكيف اغيب عنهم اياما ؟؟ لا اقدر ،،،،، لا اقدر ،،،، لا استطيع ،،، افتقدهن حتى فى الساعات الثمانيه التى اداوم فيها تلك الوظيفه الحكوميه الممله ،، و تمنيت ان يكن دائما” بجوارى ،، افتقدهن دائما” ،، زوجتى تكاد تكون متطابقه معى فى المزاج والتفكير ،، انها نسخة” منى ،،لم ارها غاضبه من قبل ،، لم تكشر فى وجهى ابدا،، ولم تطلب منى شيئا” ابدا” لا اقوى عليه ،، تودعنى صباحا” عندما اذهب الى عملى بدموع الفراق الحزين كأنها لن ترانى مجددا ،،وعندما اعود تستقبلنى بدموع الفرح ،،تقيم الاحتفالات ،، تنشد و تغنى ،، تضرب الطبول الافريقيه الصاخبه التى تهتز لها الارض تعبيرا” و فرحا” بعودتى ،، تزين البيت ،، تعطر الجو بالكامل ،، لها عطور لا اعرف من اين تأتى بها !! كأنها سحريه لم اشتمها فى مكان آخر ولا بالصدفه ،، يا لها من زوجه رائعه ،، انها تكملنى ،، انها نصفى الحقيقى ،،لا احد ،، لا احد البته حظى بزوجه كزوجتى الجميله و المدهشه فى وفائها ،، رغم السنين ماتغيرت قط ،، فى مره عدت من عملى فلم اجدها عند الباب ،،علمت ان هناك شيئا” ما ،، شيئ غير طبيعى اندفعت الى الداخل محطما” الباب ورائى فإذا بى اجد المرأه التى احببتها و ام  طفلاتى ملقاة على الارض ،، فاقده الحياه ،، ميته ،، انهرت تماما” ولم اتمالك نفسى صائحا” بنبره هستيريه مجنونه ،،ماذا بك ؟؟ اجيبى ؟؟ هيا افيقى ؟ حدثينى هيا توقفى عن المزاح كفى ،، قلت كفى ،، لحظتئذ„ علمت انها قد فارقت الحياه ولن تعود مره اخرى ،، فإحتضنتها وبدأت اصرخ ،، و اصرخ ،، و اصرخ حتى فقدت الوعى ،، دخلت فى غيبوبه مميته كأنها ارادت اخذى معها ،، فأنا اعلم انها لا تقوى على فراقى و لو لساعه واحده ،، استمريت هكذا فاقدا” للوعى واضعا” رأسى على صدرها و لا احس بشيئ ،، فقط سكون ،، سكون الموت الذى عم المكان ،، وبعد فتره من الزمن احسست ان احدا” يربت على كتفى بضرب خفيف و يقول: بابا ،،، بابا نحن جئنا ،، بدأت اصحو من الغيبوبه ،، كان الصوت لصغيراتى ،، عندها اسفقت ورأيت بناتى الثلاثه ،، قالت الكبرى : لماذا بابا انتما نائمان على الارض هكذا ؟؟؟ و فى مشهد„ عجيب احتضنت حبيباتى الاربعه ،، بناتى الثلاثه و امهن الميته الملقاة على الارض ،، ملأت الدموع المكان ،، كان منظرا” محزنا” للغايه ،، بل اكثر ،، فالحزن احيانا” يصبح صغيرا” جدا” امام الحدث ،،لكنه دفع بالبقية من عمرى الى الكآبه العميقه والتى لا اعتقد انى سأشفى منها يوم ما ،، فجأه استيقظت من هذا الحلم الكريهه و تزكرت اننى لم اتزوج حبيبتى بعد ،، انه مجرد حلم ،، حلم سخيف ،، رغم الاحلام الجميله و القبيحه التى تراودنى بين الحين و الآخر إلا انها مختلفه قليلا” عن مثيلاتها ،،مثقفه ،، قنوعه بعض الشيئ ،، عندما نلتقى يسود المرح  و الضحك و القهقه بالصوت العالى حتى كان الماره يلتفتون الينا مستغربين من هذه السعاده التى يعيشها هذين العاشقين كأنه الواقع الازلى ،،لسرمدية العاطفه ،،رغم الاحلام الجميله و القبيحه التى تراودنى بين الحين والآخر إلا انها نتاج اللوحات الملائكيه التى ارسمها لها فى ذهنى ،، و قبل غروب„ ما ،، امسكت يدها ،،و نظرت الى عينيها الواسعتين ،، نظراتها كانت عميقه جدا”لكن بها شيئ من الريبه ،،كأنها تتردد فى فعل شيئ ما ،، تلك النظرات لم تكن عاديه البته ،، كانت قاتله ،،فقلت فى نفسى ان كل الناس تحظى بفرصة موت مرة واحده فقط ،، فالموت مؤلم ،، اما إياى سيغيبنى الموت ثلاثا” ،، مت حين وجدتها وجدتها ملقاة على الارض فاقده الحياه فى ذلك الحلم السخيف ،، و تقتلنى الآن بهذه النظرات ،، و سأموت مره اخرى عندما اتقدم فى السن او فى شبابى بحادث سيارة او غيره ،، الارض تبدو مظلمه تماما” و شعرت بوحده مميته ،، لا الوان ،، فقط سواد ،، سواد’ دامغ ،، و عتمه لا ارى من خلالها يداى ،، الاشجار منتصبه عاريه تماما” ركلت اوراقها كأنها لا تستحى ،، امتلأت الازقه بالاوساخ ،، الشوارع خلت من الماره ،، المبانى مدمره ،، عمت الفوضى ،، الغلبه للاشرار الذين يملئون المكان ،، قاومت بشده لأتجاهل هذا الاحساس الغريب و فكرت فى ان اتحاشاه ،، فهو اشبه بالجنون الذى يجعلك تسافر عبر خيالات بعيده لا فائده منها ،، و بدون مقدمات طلبت منها شيئا” جميلا ،، فقالت : حسنا” حبيبى افتح فمك !! كان ردها غريبا ” نوعا” ما  لكنى لم اتردد فى فتح فمى ،، فتحته ،، فإذا بها تسكب ذهبا ” مصهورا” من فرن شديد الحراره ،،،، طاوعتها ،،، فنزلت حمم الذهب المصهور الى جوفى ،، الى اعمق اعماقى ،، لحظتها كنت ارى الضؤ ثم بدأ يتلاشى الى ان صار نقطه صغيره جدا ثم اختفى الى الابد ،، كان ذلك فى سرعه فائقه حتى انها لم تمهلنى زمنا” لأصرخ ،، فأحرقتنى سريعا”،، احرقتنى كليا” ،، و من شدة السخونه المحرقه احترق جسدى و اسود متفحما” من شدة اللهب ،، بعدها بدأ يتآكل ،، و يتآكل ،،و يتساقط ،،ثم جاءت رياح عاتيه تحمل معها اعصارا” ضخما !! يدمر كل شيئ امامه !! فإذا بأشلائى المتفحمه تتطاير فى الهواء بعد ان اصبحت رمادا” تسوقه رياح الاعصار اينما تذهب ،،هكذا تناثرت و اصبحت ذرات صغيره لايمكن رؤيتها !!اخذتنى الرياح بعيدا” جدا ،، الى اللامكان ،، الى الزمان الميت ،، الى الفراغ حيث العتمه الدائمه والسكون ،،لكن بقى الذهب اصفرا شديد اللمعان ،، جميل بهار كأنه لم يتم صهره فى ذلك الفرن الجحيمى ،، و واصلت الرياح بإزالة بقاياى من الذهب حتى صار دون شوائب ولامعا”،، الذهب الحب الفرن الجحيمى الخيانه ،،، سيظل الحب احد اسرار استمرار الكائن البشرى فليعش و ليدم لمن يصونون ،،(( الى حبيبتى الخائنه : كونى بخير ،، لقد سامحتك ،، لكننى فضلت البعد والهجر ،، فالحياة ستستمر ،، و بعد سنين طويله من الآن وفى يوم من ايام المستقبل  ستدركين انك خسرتى المعدن الاصيل الذى لايتغير و لا تؤثر عليه الافران المحرقه ،،بينما كنتى مشغوله بجمع انقاض حجارة انقاض المبانى الهالكه ،، و لو كان كل شيئ بالتمنى لتمنيت ان اضع راسك على صدرى فى حنان اخوى بالغ ،، لانك فقدتى احدى اسمى صفات الآدميين ،،لكنى سأشتاق دائما” الى صغيراتى الثلاثه رغم علمى بعدم وجودهن ،،،،،،، سامحتك ،،،، انتهت

 

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

حزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي

Share this on WhatsAppحزب المؤتمر السوداني تصريح صحفي طالعنا البيان المؤسف الصادر من سكرتارية اللجنة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.