محمد الأمين أبو زيد
– المنافق الحقيقي هو الذي لا يدرك خداعه لأنه يكذب بصدق.
– شر المنافقين قوم لم يستطيعوا أن يكونوا فضلاء بالحق.
– مي زيادة: (من خساسة النفاق إنه يتكلم بلهجة تحاذي الصدق ويتلون بلون الواقع المحسوس).
تنتمي مفردة النفاق إلى الجزر اللغوي نفق، ومنها النفق الذي تحفره الأرنب بفتحتين عندما تهاجم من واحدة منهما تهرب من الفتحة الأخرى.
لم تعرف السياسة السودانية على مدى تاريخها نموذجا صارخا للنفاق السياسي مثل مبارك الفاضل المهدي، الذي يتعامل مع المواقف السياسية بثعلبية فائقة وخداع احترافي، وتتبدل عنده المواقف بين كل مرحلة وأخرى كما يتبدل الحفاظ لدى الطفل الرضيع، وان كان للطفل الرضيع العذر في عدم تشكل عقله بعد، فإن مبارك الفاضل، وللمفارقة، ظل يمارس عادة خلع الموقف السياسي وهو قد بلغ من العمر عتيا، ومن النضج والوعي المفترضين المفقودين ما يحتم عليه قدرا من الموضوعية في الاختلاف.
في إحدى ندواته شن مبارك الفاضل هجوما على حزب البعث، استبطن من خلاله الهجوم على الثورة التي طرد من ميدان اعتصامها، والذي حاول التسلل اليه بذات الثعلبية والنفاق، بينما قبلها كان قابعا في ماخور الانقاذ.
طفق مبارك الفاضل يمارس آية الكذب على البعث مدعيا إنه خرج من التجمع الوطني بتوجيه من الشهيد صدام حسين، والراحل بدر الدين مدثر، بعد أحداث الكويت، ولعمري إنها كذبة بلقاء، فالسبب الذي جعل البعث يغادر التجمع الوطني الديمقراطي هو الخروقات التي طالت ميثاقه ولائحته، بنقل مركز ثقل المعارضة من الداخل للخارج، وتبني نهج الكفاح المسلح.
وأذكر وقتها، كنت طالبا بمصر، فصغنا مذكرة باسم جبهة كفاح الطلبة معنونة للتجمع الوطني الديمقراطي، بمحتوى الخروقات وسلمناها للمرحومين أحمد السيد حمد، وفاروق أبو عيسي.
هذا كان خطاً سياسياً اعتمده البعث استند على قدرات الشعب في الداخل بالاعتماد على الإضراب السياسي والعصيان المدني، والتظاهر وحشد القدرات الداخلية، واستنهاض الحركة الجماهيرية، وهو الخط الذي أسقط النظام، بينما سقطت كل رهاناتك، إلى أن ارتميت ذليلا في أحضان النظام مصالحا ومشاركا.
وهنا الفرق ما بين المواقف المبدئية والمواقف الحفاظية (بامبرز).
يشن السيد مبارك الفاضل المهدي هجوما لاذعا على لجنة إزالة التمكين جوهرة الثورة المضيئة، امعانا في التزييف والخداع، بينما عندما كان يتقلب في المناصب، وحتى وهو وزيرا للاستثمار في حكومة الإنقاذ (الأخيرة) يدعو لإزالة التمكين! إنه النفاق السياسي بعينه.
وفي فرية أخرى يردد بأن لجنة إزالة التمكين يسيطر عليها البعث وهي تشكل حكومة داخل حكومة، لجنة إزالة التمكين، لجنة تضم كل قوى الحرية والتغيير، والبعث ممثل فيها بعضو واحد هو الأستاذ وجدي صالح، ولكن لأن اللجنة تمثل جوهر أهداف الثورة في تفكيك بنية الانقاذ، وضرب أوكار الفساد والنشاط الطفيلي التي تمثل أنت أحد رموزها، لذلك ليس مستغربا الصراخ والعواء! وامعانا في التعمية والتضليل يجتهد مبارك في نسج الأوهام حول سيطرة البعث على اللجنة، وعلى الحكومة لشيء في نفسه، بعيدا عن الحقيقة والواقع.
يصرخ (درق سيدو): ياللعار أن يحكمنا حزب البعث العربي الاشتراكي!
بل ياللعار أن تظل أنت وأمثالك ينطقون بعد ثورة عظيمة مهرها أرواح ومهج شباب غض نضير. البعث ليس دخيلا على الثورة فقد خاض منسوبيه غمار المواجهة مع الإنقاذ في مهدها اعتقالا وتعذيبا في بيوت الأشباح، وتشريدا ومطاردة وفصلا من الخدمة، وتضييقا في الأرزاق، واغتيالا بلا محاكمات (شهداء رمضان).
البعث لم يأت الثورة طفيليا متسلقا، كما حاولت أنت في ميدان الاعتصام الذي لم تدنسه أقدام الفاسدين وربائب النظام امثالك، ونلت من شبابه شر طردة ذليلا مدحورا. البعث كان فاعلا في الأحداث، وفي حركة التغيير الثوري حتى بلوغ الانتصار، ولذلك فإن شرف مشاركته الرمزية في السلطة الانتقالية شرف لا يدعيه وتهمة لاينكرها. وسيظل بوصلة هادية للثورة يعمل بكل جد وإخلاص لتبلغ أهدافها.
إن نهج السيد مبارك السياسي نهجا ميكيافليا بامتياز، يعظم فيه صاحب الهدف الوسيلة التي يريدها أيا كانت وكيفما كانت دون قيود أو شروط، اعتمادا على مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة).
وهنا نشحذ ذاكرة شعبنا بموقف مبارك الفاضل المفضوح في عام 1997 الذي حرض من خلاله الأمريكان لقصف مصنع الشفاء للأدوية الذي ادعى انه مصنعا للأسلحة الكيميائية في مفارقة عديمة الأخلاق! ولأن الانقاذ ورموزها بذات النهج قبلوا به مساعدا للرئيس من غير مهام، وعندما أراد التنطع بالسؤال عن الممنوع، ألقمه عوض الجاز حجرا بأنه ليس أكثر من سلعة تشترى بالفلوس.
إن أمثال هؤلاء السياسيين الذين يعزلون السياسة عن سياق الأخلاق، ويتعاملون بنهج المقاولات التجاري في العمل السياسي، لا مكان لهم في سودان المستقبل، فالأجدى لهم مغادرة المشهد في هدوء.
فصاحب الغاية النبيلة يبحث عن الوسائل السليمة، أما الذين رضعوا من ثدي الفساد السياسي والمصالح لن يعيشوا أسوياء في مجتمع مدني ديمقراطي.