جامعة حرة أو لا جامعة !!
زهير السراج
* من سخرية الأقدار أن يكون عنوان هذا الموضوع هو الشعار الذى كان أول من رفعه طلاب الاتجاه الاسلامي (الإخوان المسلمون) بجامعة الخرطوم في وجه نظاميي (عبود ونميري)، اللذين إستوليا على الحكم بانقلاب عسكري في نوفمبر 1958 ومايو1969، وقوضا النظام الديمقراطي وحاولا فرض ارادتهما على الجامعة كبقية البلاد، فتصدى لهما الطلاب (وفيهم طلاب الاتجاه الاسلامي) بكل شراسة، ورفعوا في وجهيهما شعار (جامعة حرة أو لا جامعة) الذي يرفعه الآن طلاب الجامعات السودانية ضد حكم الإخوان المسلمين، ومؤامراتهم اليومية لاجهاض الحرية في الجامعات مثلما اجهضوها فى كل انحاء السودان بعد استيلائهم على السلطة فى يونيو 1989 بحجة ازالة الطغيان وازالة الفساد وبسط العدل وتحقيق المساواة، ولكنهم استسلموا لبريق السلطة، وانكبّوا على نعيم الدنيا وكنزوا الذهب والفضة، وشيدوا القصور والسرايات، و طغوا فى البلاد وأكثروا فيها الفساد، وأفقروا العباد!!
* نسي طلاب الأمس حكام اليوم (الإخوان) أقوالهم واحلامهم وانتماءهم للشعب، ففعلوا به الأفاعيل مما لم يسبقهم عليه حاكم، وأذاقوه الفقر والهوان، وشردوه في الاصقاع والمنافي، وحرموه من ابسط مقومات الحياة الكريمة، وكل ما نزلت به الاديان السماوية واستعارته النظم المدنية من مبادئ الحرية والعدل والمساواة والشورى والديمقراطية، ولكن لم يكفهم كل ذلك وهاهم يسعون الآن بكل ما وسعهم من قوة، لقهر الطلاب وحبسهم فى سجون يطلقون عليها اسم الجامعات، وذلك بوضع هذه الجامعات تحت إدارة ما اسموه بـ(الشرطة الجامعية) بحجة حفظ النظام ومنع العنف الطلابي، بعد أن فشلت ما تسمى بـ(الوحدات الجهادية) التى يعلم القاصي والداني أنها سبب ارتفاع وتيرة العنف الطلابي، في قهر الطلاب الذين يعارضون الظلم وسياسات الإخوان المسلمين الفاشلة في الجامعات، والتي اعترف بفشلها وبؤسها مؤخراً عرّاب هذه السياسات وزير التعليم السابق، ورئيس المجلس الوطني الحالي د. ابراهيم احمد عمر!!
* لا اريد أن أعيد هنا ما كتبته من قبل عن مخاطر إقحام الشرطة في الجامعات، وما يمكن ان ينجم عنه من عنف إضافي، خاصة انها ستكون تحت إدارة قيادتها وليس إدارة الجامعة، بالاضافة الى انها التجربة الأولى فى تاريخ السودان التي توكل فيها للشرطة حراسة الجامعات، بدون ان يكون لها، ولا الجامعات أو الطلاب خبرة أو تجربة في هذا العمل الخطير، وكان من المفترض ان يتاح الوقت الكافى لبحث كافة جوانبه العملية بمشاركة المختصين، والتأني في اختيار الافراد، والتدريب الطويل المميز، وإيجاد أرضية مشتركة للتفاهم بين الشرطة وادارات الجامعات وتنظيمات الطلاب والعاملين..إلخ، قبل الشروع في التنفيذ، ولكن جاء كل شيء فجأة وبسرعة غير عادية بدون أى نوع التحضير، وأكبر دليل على ذلك أنه عندما وجه البعض مجرد نقد موضوعي للمشروع، تصدى لهم بعض قادة النظام ومدير إدارة الشرطة الجامعية بعبارات عدائية حادة مثل (لدينا سلطة من النهرة حتى الرصاصة) و (ليس هنالك شيء اسمه الحرم الجامعي)، فماذا سيحدث إذا وقعت بعض الاحتكاكات البسيطة بين الطلاب، أو بينهم وبين الشرطة؟!
* ثم من أين لبلاد تعانى من أزمة اقتصادية خانقة بالنفقات الباهظة التى ستصرف على الشرطة الجامعية فى أكثر من مائة جامعة ومؤسسة تعليم عال حكومية وخاصة، لدى معظمها مبان متعددة في اماكن متفرقة، إلا إذا كان للحكومة ما تخفيه عن الناس وتدعّى الفقر حتى تغتصب اموالهم، وإذا كان الأمر كذلك، ألم يكن من الأجدى إنفاقه لتحسين إمكانيات واداء الشرطة، وكلنا نعرف، كمثال فقط، أن شرطة الجنايات ينقصها حتى ورق الفلوسكاب الذي تدون عليه التحريات، دعك من الأشياء الأخرى والتدريب والتأهيل ..إلخ، بالاضافة الى ضآلة المرتبات والظروف المعيشية الصعبة لافراد الشرطة، الذين كانوا وغيرهم أولى بهذه الاموال، بدلاً عن اهدارها على مشروع فاشل لن يحقق اى هدف سوى تبديد موارد البلاد، والغوص اكثر فى مستنقع العنف واشتداد المعاناة ؟!
الجريدة