عندما يفقد الحوار بوصلته والمسكوت عنه
انهيار أول جولة مفاوضات بين الحكومة وحملة السلاح في دارفور والولايتين (النيل الأزرق وجنوب كردفان) طرح سؤالاً واحداً يردده الذين وقعوا على (خريطة الطريق) والذين عارضوها على حد سواء: ثم ماذا بعد؟
لقد حذر السيد الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة وأحد الموقعين على خريطة الطريق، من أن الحوار بات في خطر، ووعد بأن يقوم بمسعى لدى الطرفين لتجاوز الخلاف الذي ظهر بينهما، لكنني أعتقد أن العقبة الحالية لا تشكل مصدر خطر كبير على المفاوضات الحالية، وأتوقع أن تنجح المساعي لتقريب وجهات النظر بين الطرفين للوصول إلى اتفاق حول النقاط الخلافية المحدودة التي برزت ، وأتوقع أن تستأنف الجولة عما قريب فهذه النقاط الخلافية الحالية ليست نقاطا أساسية والخلاف الحقيقي سيظهر بعد تجاوز العقبة الحالية.
الخلاف الحالي يرتكز حول معابر دخول الإغاثة لولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ؛ الحكومة تريد أن تنطلق المعونات الإنسانية فقط من داخل السودان وتحدد 3 محطات في الداخل (الأبيض– الدمازين– كادقلي) لدخول الإغاثة. الحركة الشعبية لا ترفض ذلك ولكنها تريد أن يأتي جزء من الإغاثة من 3 نقاط في الخارج أيضاً وتحدد (لوكاشيكو في كينيا وأصوصة في إثيوبيا وجوبا في جنوب السودان) والحركة تخلت الآن عن مطلبها بأن يأتي نصف العون عبر الخارج مكتفية بـ%20 والحكومة ترفض رفضا باتا دخول العون من الخارج وتعتقد أن تجربة (شريان الحياة) إبان أزمة الجنوب أطال أمد الحرب؛ إذ وفر الغذاء والدواء – وربما السلاح– للمحاربين، ما مكنهم من مواصلة القتال –ولذلك ترفض تكرار التجربة– أتوقع أن يسعى الوسطاء للضغط على الحكومة في أن تقبل دخول جزء من الغذاء %20 أو أقل عبر أصوصة الإثيوبية وأن تتنازل الحركة عن المطالبة بالدخول عبر كينيا وجنوب السودان، وأتوقع أن تلعب إثيوبيا دوراً في إقناع الحكومة بالتأكيد على دور إثيوبيا في مراقبة الإغاثة الواردة عبر أراضيها.
المشكلة ليست في هذا الخلاف المحدود، بل المشكلة في تفاصيل مشروع وقف العدائيات والحركة تود له أن يكون قاصرا على توفير الأجواء لوصول العون الإنساني وتريد له أن يستمر لمدة عام كامل والحكومة تريده هدنة قصيرة تمهد للوصول للسلام فوراً وفي مدة أقصاها 3 أشهر ونصف يتم خلالها تسريح جيش الحركة ونزع السلاح وإعادة الدمج وإنهاء الحرب تماما، بل والجانب الحكومي أعد جدولاً زمنياً لإكمال هذه المهمة خلال فترة لا تتجاوز 105 أيام (3 أشهر ونصف) بدءاً من التوقيع على وقف العدائيات– الحركة من جانبها تقول إن الذين حملوا السلاح في الولايتين أو في دارفور حملوه من أجل قضايا ومطالب محددة، وأنهم لن يضعوا سلاحهم قبل أن يحسموا هذه القضايا؛ ولذلك فإن تحقيق السلام وإنجاز نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج (DDR) موضوع مرتبط باتفاق السلام الشامل ومعالجة التحول الديمقراطي والاستجابة للتطلعات المشروعة لهذه المناطق في إطار مشروع التحول الديمقراطي – وهذا هو جوهر الخلاف الذي يستحيل علاجه عبر الضغوط الدبلوماسية وليس مكانه الحوار حول القضايا العسكرية، إنما مكانه منبر الحوار السياسي الذي لم يبدأ بعد. هذا يمثل جوهر الأزمة التي تواجه خريطة الطريق حقيقة لأنها بتنازلها عن المؤتمر التحضيري الشامل الذي يحسم القضايا الإجرائية، ويحدد أجندة الحوار ومساراته المختلفة قد أفقدت الحوار بوصلته الهادية وبدلا من أن تبدأ الحوار بهذا العمل التحضيري ويليه الحوار السياسي أخطأت المعارضة عندما قبلت البدء بالحوار حول الجوانب العسكرية دون أن يسبقره ها تمهيد سياسي وعمل تحضيري.
لذلك فإن صعوبات وصول الإغاثة ليست هي العائق الحقيقي وسيظهر العائق الحقيقي عندما يطرح السؤال: وماذا بعد الاتفاق على معابر دخول الإغاثة؟
محجوب محمد صالح