مؤتمر الإرهاب.. في ضيافة الإرهابيين!!
د. عمر القراي
(هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ)
صدق الله العظيم
الذين عاصروا حركة الإخوان المسلمين في جامعة الخرطوم، في منتصف السبعينات، وبداية الثمانينات، من القراء الكرام، يذكرون أنهم كانوا يفتخرون بأنهم إرهابيين .. وكانوا كلما أرادوا الهجوم، بالسيخ والعصي، على ركن نقاش الجمهوريين، أو ندوة للجبهة الديمقراطية، يقرأون على عضويتهم، الآية الكريمة (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) !! ولقد دار الزمان، وتغيرت الأشياء، وجدت مستجدات، جعلت الإخوان المسلمين يتنازلون عن شعارات الجهاد، وإرهاب أعداء الله، ويدّعون أنهم حركة وسطية، ومعتدلة، تدعو الى الإسلام بالحسنى. ثم بعد أن قفزوا الى السلطة، بإنقلاب عسكري، في يونيو 1989م، كشفوا عن وجههم الحقيقي، ومارسوا شتى أنواع الإرهاب، على كل معارضيهم، وعذبوا الشرفاء في “بيوت الأشباح“، وضربوا طلاب المدارس والجامعات بالرصاص، في شوارع الخرطوم، وقصفوا المدنيين، بالبراميل الملتهبة، في جبال النوبة، والنيل الأزرق، وقتلوا الآلاف في دارفور، وأغتصبوا مئات النساء في “تابت” وغيرها. ولكن كل ذلك لم يحقق لهم الأمن الذي ينشدونه، ولم يطمئنهم على الكراسي، التي يجلسون عليها دون كفاءة، وشعروا بالضغوط حولهم من المجتمع الدولي.. لهذا جاءوا بآخرة يدعون للحوار الوطني، ثم حين إضطروا أن يجلسوا مع قوى المعارضة، التي رفضت حوار الوثبة، في حوار جديد خارج البلاد، ظنوا أن توقيعها على خارطة الطريق، يعني ضعفها، وتسليمها، فاشتطوا في مطالبهم، وتعنتوا في مواقفهم، حتى إفشلوا الحوار !!
ولقد كان الحوار، آخر أوراقهم في إتجاه تضليل الرأي العام العالمي، فلما راهنوا على خضوع المعارضة لهم، ثم عجزوا عن إخضاعها، فكروا في بدعة جديدة، ربما أعانتهم على خداع المجتمع الدولي، وهي أن يتبنوا مقاومة الإرهاب .. ولما كانوا لا يستحون، فقد دعوا مؤتمر مقاومة الإرهاب، لينعقد في الخرطوم !! فقد جاء ( بدأت في الخرطوم الخميس جلسات الملتقى العربي لظاهرة الإرهاب الذي تنظمه الجامعة العربية بالتعاون مع وزارة الاعلام السودانية … واعتبر النائب الأول للرئيس لدى مخاطبته فاتحة الجلسات مواجهة ظاهرة الإرهاب تتطلب من الجميع القيام بمسؤولياتهم … ودعا صالح المنظمات ومراكز البحوث والدراسات لمنح قضية الإرهاب ما تستحقه ووضع تعريف شامل للإرهاب تجنباً للمزايدات … ومن جانبه قال نائب الامين العام للجامعة العربية احمد بن حلي ان الملتقى العربي يشكل فرصة مهمة لوضع الرؤى والتدابير والاجراءات لمواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف والغلو. وأكد ان مواجهة الارهاب تتطلب تجفيف مستنقعاته الفكرية والمادية ووضع الازمات والنزاعات على طريق الحل السياسي والحوار الوطني… قال رئيس مجمع الفقه الاسلامي عصام احمد البشير خلال مخاطبته فاتحة المؤتمر ان الارهاب الحقيقي هو الذي تمارسه اسرائيل على الشعب الفلسطيني. وتابع ” ما يقع في اليمن وسوريا والعراق من بعض الفئات الباغية” ودعا الى تبني تعريف مجمع الفقه الاسلامي العالمي للارهاب بانه العدوان الذي تمارسه الجماعات والافراد والدول على الانسان في عرضه ونفسه ودينه وماله وراى ان اسباب الارهاب تتمثل في الفهم الخاطئ للمفاهيم الشرعية والانحراف مشيراً الى اهمية فهم الدين على الوسطية. وحث عصام أحمد البشير جامعة الدول العربية على اصدار قانون دولي يجرم الإساءة الى الرموز والإسلام … بدوره قال وزير الاعلام السوداني احمد بلال عثمان ان السودان انتهج خطاً فكرياً حوارياً للتصدي للإرهاب من خلال مقاربات فكرية وجلسات حوارية. ولفت النظر الى ان معالجة الإرهاب لا يمكن ان تتم بالطرق الأمنية والعسكرية فقط وقال ان السودان أنشأ مجلساً للتحصين الفكري يترأسه الرئيس عمر البشير)( سودان تربيون 18/8/2016م)
أول ما يظهر من هذا المؤتمر، هو أنه يقوم على تبادل النفاق، بصورة مؤسفة .. فنائب الرئيس يدعو المنظمات، ومراكز الدراسات والبحوث، لتساهم في مواجهة الإرهاب، وهو يعلم أن حكومته، قد أغلقت المراكز البحثية، والثقافية، ومنظمات المجتمع المدني، وصادرت مكتباتها، واعتقلت الناشطين فيها، ومن ضمن هذه المراكز، التي كانت ناشطة في تدريب الشباب، على مفاهيم الديمقراطية، مما يحصنهم ضد الإرهاب مركز ” تراكس”، فماذا حدث له ؟! جاء عن ذلك (نيابة أمن الدولة توجه تهما لمعتقلي تراكس تصل عقوبتها الإعدام. بعد ستة وثمانين يوما من الحبس، يواجه كل من خلف الله العفيف مختار، ومصطفى أدم، ومدحت عفيف الدين حمدان تهما من قِبَل نيابة أمن الدولة تصل عقوبتها الإعدام، ويتم تحويلهم لسجن الهدى بشمال امدرمان اليوم الإثنين ١٥ أغسطس ٢٠١٦.. والجدير ذكره أنه قد سبق توجيه هذه المواد الأربع بالإضافة لثلاث مواد أخرى ضد كل من خلف الله العفيف مختار، وأروى أحمد الربيع، وندينة كمال، وعادل بخيت، في بلاغ آخر قيد المحاكمة الآن. وكان هذا البلاغ نتيجة لمداهمة جهاز الأمن مقر مركز تراكس العام الماضي، في مارس ٢٠١٥. وهذه المحاكمة مستمرة منذ يوم 22 مايو 2016م).
فهؤلاء الباحثون، من الناشطين والناشطات، يحاول جهاز الأمن، أن يصورهم وكأنهم أعداء للوطن، وتتهمهم النيابة العامة، الممثلة لرأي الحكومة، بتهم تصل عقوبتها الإعدام !! مع أنهم هم الذين يعملون ضد الإرهاب، وضد التطرف، وهم الذين ويوعون الشباب من خلال برامج بديلة، تحفظهم من غائلة الهوس الديني.
أما نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية، فقد دعا الى تجفيف المستنقعات الفكرية للإرهاب .. فلماذا لم يحدد لنا ما هي هذه المستنقعات ؟! وفي أي كتابات أو ممارسات ظهرت ؟! إن الدعوة الى القتل بإسم الدين في المجتمع الحديث، كان أول من دعا لها سيد قطب، وأبو الأعلى المودودي، وهما من قادة جماعة الإخوان المسلمين .. ولو كان المؤتمر جاداً، لأظهر هذه الحقيقة، واعتبر الإخوان المسلمين، حيث كانوا، بؤرة الإرهاب الحقيقية، ولذكر أن كل الجماعات الإرهابية، قد خرجت من عباءة جماعة الإخوان المسلمين. ولقد صرح الشيخ القرضاوي، مؤخراً، بأن أبو حمزة البغدادي، زعيم “داعش” ، من الإخوان المسلمين، وقد عاصرهم في السجون المصرية، حين كانوا متهمين بتهمة الإرهاب !!
أما الشيخ عصام أحمد البشير، فقد مرد على النفاق، منذ أن كان يوعظ ضد حكومة الإنقاذ، حتى إكتسب شعبية كبيرة، ثم تم تعينه في الشئون الدينية أو الأوقاف، ورقي إلى أن أصبح إمام مسجد والد السيد الرئيس، فتغيرت لهجته، وبدأ يمدح الحكومة التي كان يكيل لها الانتقادات !! وهو هنا يخاطب مؤتمر عقد ليواجه الإرهاب الإسلامي، فإذا به لا يذكر “داعش”، ولا “جبهة النصرة”، ولا “بوكو حرام”، وإنما يذكر أن الإرهاب هو الذي ما تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين !! ولكن جامعة الدول العربية، وحكومة السودان، اللتان أقامتا المؤتمر، ليس لديهما مشكلة مع إسرائيل، ولم يقيما المؤتمر، ليحذرا الشباب العربي والسوداني من الإلتحاق بإسرائيل، وإنما ليحذراه من الإلتحاق ب”داعش”، باعتبارها الخطر الماثل. ولقد عرّف الشيخ عصام الإرهاب (بأنه العدوان الذي تمارسه الجماعات والافراد والدول على الإنسان في عرضه ونفسه ودينه وماله) !! ولقد صرحت حكومة السودان، التي كان الشيخ عصام أحد موظفيها، بأنها قتلت 10 ألف مواطن سوداني في دارفور!! وصرح الرئيس عمر البشير، في حديث على شريط فيديو، مشاع في كل مواقع التواصل الإجتماعي، بأن أيديهم ملطخة بدماء أهل دارفور، وأن قتل أهالي دارفور تم دون سبب مقنع !! ولهذا فإنه بحسب تعريف الشيخ عصام، يعتبر الرئيس البشير أرهابي، والدولة السودانية إرهابية، لأنها مارست العدوان على الإنسان السوداني، في نفسه، وماله، وعرضه. فهل يملك أحد وعاظ السلاطين مثل الشيخ عصام أحمد البشير أن يقول ذلك صراحة ؟! ومن جهل الشيخ عصام، أن يحث جامعة الدول العربية، على إصدار قانون دولي، يجرم الإساءة الى الرموز والإسلام !! لأن جامعة الدول العربية منظمة إقليمية، وليست دولية، ولا تستطيع أن تصدر مثل هذا القانون، وحتى لو كانت منظمة دولية، أما كان الأولى أن يطلب منها إصدار قانون يجرم الدول التي تساند الجماعات الإرهابية، لأن هذا هو ما يتضرر منه الناس مباشرة، وليس مجرد الإساءة الى الرموز والإسلام ؟!
أما السيد وزير الإعلام، فقد ذكر ان السودان قد تصدى للإرهاب من خلال مقاربات فكرية، وجلسات حوارية. وذكر ان السودان أنشأ مجلساً للتحصين الفكري يترأسه الرئيس عمر البشير!! من الذي يقوم بالمقاربات الفكرية والجلسات الحوارية ؟! هل هم من (علماء) السلطان أمثال الشيخ عصام أحمد البشير ؟! وما هو فكرهم المختلف مع فكر ” داعش”، حتى يحاوروا الشباب على أساسه ؟! ثم إذا كان هنالك مجلس يمتلك الفكر، الذي يحصن به الشباب ضد الإرهاب، لماذا يكون رئيسه البشير ؟! أليس من التملق، والنفاق، أن يوهم البشير بأنه مفكر، وأنه يستطيع تحصين الآخرين فكرياً ؟! ألا يشبه هذا النفاق، منحه درجة الماجستير في الشريعة، من جامعة الجزيرة، رغم أنه حاول لأكثر من عشرين عاماً تطبيق الشريعة، ثم بعد كل هذه السنين، صرّح بأنه قد طبق شريعة “مدغمسة” ؟!
وبعد الصرف على هذا المؤتمر الفاشل، من أموال الشعب المنكوب، الذي هدمت بيوته الأمطار والفيضانات، وأصبح يفترش الماء، ويتغطى بالسماء.. ما هي التوصيات التي خرج بها ؟!
جاء عن ذلك ( وطالب اعلان الخرطوم للتصدي للإرهاب بأهمية مراجعة محتوى وتأثير المناهج الدراسية بالدول العربية بما يضمن خلوها من كل ما يدعو لترسيخ الأفكار المتطرفة لدى الطلاب في المراحل الدراسية كافة. وأوصى الإعلان بضرورة العمل على نشر القيم الإسلامية واستثمار المخزون الثقافي للأمة وإدراج مواد في مناهج التعليم تركز على التسامح والعدالة والسلام وتجريم الظلم ونبذ العنف وحرمة الدماء. ودعا الدول الأعضاء للاسترشاد بتجربة السودان في جهود مكافحة الإرهاب وانتهاج اسلوب المعالجات الفكرية والحوار بالحسنى فضلاً عن الدعوة للاهتمام بالشباب وحل مشكلة البطالة بتعزيز فرص العمل وتخفيف حدة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعيةوالمساواة )(سودان تربيون 19/8/2016م)
السؤال هو: لماذا وجد في مناهج تعليمنا، ما يدعو لترسيخ الأفكار المتطرفة منذ البداية، حتى نخرجها الآن بسبب محاربة للإرهاب؟! الجواب هو : أن مناهج التعليم الدينية، وضعها من يسمون ب”رجال الدين”، من العلماء، والفقهاء، والاخوان المسلمين، وهؤلاء لا يفهمون من الإسلام، سوى الفهم السلفي التقليدي، الذي يقوم على الجهاد بالسيف، ويقسم الأرض الى دار كفر ودار إسلام، ويدعو إلى قتال غير المسلمين، بغرض إعلاء أمر الإسلام، على غيره من الأديان. أما إدراج الآيات والأحاديث، التي تدعو الى السلام، والتسامح، في مناهج التعليم، فإنه لن يحل المشكلة، بل سيربك الطلاب، ويحدث بلبلة، لأنهم يقرأون في صفحات المتطرفين، ويسمعون في خطب المساجد، الآيات التي تدعو الى الجهاد، والاسترقاق، وما ملكت أيمانكم، مما يجعلهم يشعرون بتناقض في نصوص الكتاب الكريم.
أما التوصية المضحكة فهي الاسترشاد بتجربة السودان !! وذلك لأنه القطر الذي أعلن الجهاد على المواطنين السودانيين الجنوبيين، والمواطنين السودانيين في جبال النوبة، وقتل في تلك الحرب الجائرة المئات من أبناء الجنوب، بحجة أنهم كفار، والعشرات من أبناء الشمال، بحجة أنهم شهداء، يزفون الى الحور العين!! فإذا لم يكن هذا العنف، وهذا الهوس، هو الإرهاب الديني، فما هو إذاً ؟! ثم أليس من الكذب الأبلق، أن يعتبر السودان، قد حل مشكلة البطالة، وهو يعاني من أعلى معدلاتها، وأنه حقق المساواة، وهو شعب يلتهمه الجوع، بينما الأخوان المسلمين الحاكمين، تقتلهم التخمة، والبذخ، وأموال الفساد، التي غرقوا فيها حتى آذانهم ؟!
إن المواجهة الحقيقية للإرهاب والتطرف، لها طريق واحد لا ثاني له، وهو تجريد الجماعات الإرهابية، من أهم أسلحتها وهو الفهم الإسلامي.. وذلك بتوضيح أن القرآن مستويين: مستوى أصول القرآن، التي جاء سائرها في القرآن المكي، وهي تقوم على الإسماح والحرية والمساواة والسلام .. ومستوى فروع القرآن، وقد رسم تفصيلها القرآن المدني، الذي قام على الوصاية، والجهاد بالسيف، وقتل المشركين، وقتل أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون .. وهذا المستوى من القرآن المدني، حث على الجهاد، وتبع الجهاد ان يتخذ الأسرى من الرجال عبيداً، والأسرى من النساء جواري يوزعون على المقاتلين المسلمين، يعاشروهن بغير زواج، ويمكن ان يبيعوهن لغيرهم من المسلمين.
في هذا المستوى الفرعي، واجب المسلم أن يقتل كل من يخالف دينه، ويغزو غير المسلمين في بلادهم، ويأخذ أموالهم، ونساءهم، وذراريهم.. وهذا ما نرى ” داعش” تفعله الآن، وتقرأ أثناء ممارسته، الآيات العديدة، والأحاديث النبوية المستفيضة. ولكن هذا المستوى مرحلي، وهو قد صلح في القرن السابع الميلادي، لكنه لا يصلح للبشرية اليوم. لهذا لابد مما دعا إليه الأستاذ محمود محمد طه، من تطوير التشريع الإسلامي، وذلك بالإنتقال من فروع القرآن الى أصوله، وبعث القرآن المكي ليحكم اليوم في حياة المسلمين .. وهذا يقتضي بالضرورة، نسخ القرآن المدني، لأنه ليس مقصد الدين بالأصالة، ولأنه ناسب حاجة وطاقة المجتمع الماضي، وليس المجتمع الحاضر، ولأن نصوصه قد أدت غرضها حتى إستنفدته. على هذا الفهم، يمكن ان توضع مناهج التعليم الجديدة، وتقوم التوعية الحقيقية، ويهزم الإرهاب، والهوس، والتطرف، وإلا فلا.
شاهد أيضاً
ما بين( الحلو) (وعبد الواحد) وترق (مرق) وسلام جوبا // سامح الشيخ
Share this on WhatsApp اولا دعنا نتفق ان كل اسم علم ورد في العنوان يمثل …