السبب شُنو؟

بسم الله الرحمن الرحيم
       سهير عبد الرحيم
            السبب شُنو؟
خبر صادم تناولته صحف الخرطوم من يومين ؛ الخبر تحدث عن كشف وزارة الصحة بولاية الخرطوم لاضطرابات نفسية وسط طلاب المدارس بلغ ما نسبته 27%.. وتردد (16800) مريض على العيادات النفسية كل شهر واستقبال مستشفى التجاني الماحي لـ (900) حالة جديدة شهرياً…!!
خبر مثل هذا وفي أيّة بقعة في العالم من شأنه أن يُقيم الدنيا ولا يقعدها، ولكن هنا وفي الحرطوم لم يُحرِّك ساكناً في الجهات المختصة ؛ عدا ورشة متواضعة تم فيها طرح الأمر من ضمن عدة أمور أخرى ناقشتها الورشة..
النسبة التي أطلقتها وزارة الصحة و(صمت خشمها) كان ينبغي أن تلحق بورشة أخرى تُشارك فيها وزارة التربية والتعليم أيضاً، على الأقل لمعرفة أسباب (جنون الشفع دييل) وأيضاً وضع المُعالجات بصورة عاجلة لا تتدخّل فيها نظرية اللجان المُنبثقة والمُتقدة ونثريات حوافز البحث والنهب..
الاضطرابات النفسية لا تعني بالضرورة أنّ فُلاناً مجنون، كما أنّها لا تعني أنه سليم العقل ومُستقر نَفسياً، كما لا يُمكن أن يكون وصف الشخص المجنون فقط بأنه هو من يطقع الناس بالحجارة أو يسير عارياً في الشوارع، إنّما هناك الكثير من أشكال الاضطرابات النفسية والتي تجعل أحدهم يطقع بالحجارة على الآخرين من دون أن يسير عارياً في الشوارع أو يُمارس عادة مُلاحقة الأكياس الطائرة..
فإذا سلمنا جدلاً بأنّ الأمراض عند الأطفال تتراوح بين العُنف فيما بينهم والوسواس القهري والضعف اللغوي والاكتئاب.. وغيرها فإنّنا لمُعالجة أي من تلك الأمراض ينبغي البحث عن مُسبباتها لعلاجها بصورة مُتكاملة..
ولكن الشاهد في الأمر أن أمراضاً مثل التبول اللا إرادي وقلق الانفصال والتوحد والتهتهة جميعها تعود أسبابها الى البيئة والاستقرار الأسري والاجتماعي والاقتصادي..
فماذا ينتظر وزير الصحة من طفل يُطرد من الطابور لعدم سداده الرسوم أو يُوبّخ في الحصة بسبب وصوله مُتأخِّراً.. أو يقرض أظافره في فسحة الفطور لأنّه لا يملك ثمن الوجبة..
إنّ أزمة المواطن في هذا البلد أنّ ولاة أمورنا بعد أن كانوا من الطبقة المسحوقة ويعلمون معنى الفاقة والفقر أصبحوا من الأثرياء فنسوا وتناسوا ماذا تعني المُعاناة..
الآن مأمون حمّيدة يستغرب من ارتفاع نسبة الاضطرابات النفسية، لأنّه يعتقد أنّ كل السودان هُم من يدرسون في جامعة العلوم الطبية بعشرات الآلاف من الدولارات وهم من يتعالجون في الزيتونة..
إذا كان بعد مرور 27 سنة من حكم المؤتمر الوطني أصبحت نسبة الاصطرابات وسط الأطفال 27%، وإذا اعتبرنا أنّ هؤلاء هم جيل المستقبل وصُنّاع الحياة فهذا يعني أنه كلما زادت فترة حكم النظام زاد عدد المجانين….. حتى يأتي يوم يصبح فيه كل الشعب مجنوناً.
خارج السور:
ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
*نقلا عن التيار