الإثنين , أكتوبر 7 2024
ardeenfr
أخبار عاجلة
الرئيسية / مكتبة غالب طيفور / إعتقال الطفولة …

إعتقال الطفولة …

المعتقل (10)
( غالب طيفور )

إعتقال الطفولة 

تحركت للمكتب الصباح  كعادتي كل يوم ،والذي لم يكن كالعادة في ذلك اليوم أن يصحبني طفلي (محمد) أبن الرابعة من العمر ؛وهو سعيدا بصحبة والده والذهاب معه للمكتب ؛وإستغلال اللاب التوب الموجود في المكتب .

  وعندما وصلنا  وبمجرد دخولنا  المكتب قفز الي الكرسي وناداني طالبا” مني فتح اللاب توب ؛ ففيه بعض الألعاب التي أتركها لهما هو وأخته ، كلما سنحت لهما فرصة لزيارة المكتب  ، فضحكت ، وفتحت المكتب وفتحت اللاب توب له مباشرة حتي أفرغ لالتزاماتي التي جئت من أجلها .
في تلك اللحظة حضر أحد الاصدقاء ،الصديق (التجاني زرقة) رجل بشوش طيب المعشر ، مهذب ، وبدأيجاذبني أطراف الحديث  شاكيا” من الأوضاع في السوق والكساد والتضخم والمسئوليات الجسام التي اصبحت علي عاتقه من مصاريف مدارس وجامعات وهلم جر كما يقول : (الأمام ) وانا أتابع حديثه بعين وطفلي بالعين الأخري ، حتي لا يمس شئ يضر بالنظام في المكتب ، وأحمل جوالي في يدي التقط الرسائل التي اشعر أنها هامة وكان غطاء جوالي  الخلفي مكسور رغم أنه  حديث التصميم .
  
عند ما بدأت الساعة تقارب منتصف النهار في تلك اللحظة وبلا مقدمات دخل لمكتبي أربعة أشخاص ، وانا أتحدث مع زائري ، ليتقدم واحدا” منهم ، أسمر طويل ، نحيف ، ليسألني بصورة مباشرة :
غالب طيفور؟؟ فأجبته بايماءة برأسي  ، وحينها رفعت رأسي لأجد أن هنالك أربعة آخرين يقفون ، أثنان منهم علي جانبي الباب وأثنان خلفه مباشرة كأنهم يريدون القبض علي شبح ، فقال  قائدهم : لدي أمر تفتيش ، ومعي طلب حضور لشخصك بمكاتب الأمن والمخابرات الوطني ، وأستغرب ضيفي من الأمر ، وضحك بصور تهكمية في هذه اللحظة ، وكان له الحق في ضحكته فأمر التفتيش كان ورقة قديمة بالية كأنهم أحضروها من سلة قمامة ، فظن زائري انهم اصدقاء يمزحون معي ،  و لم يعطوه فرصة ليكمل ضحكته ، فشهروا في  لحظة واحدة البطاقات التي يحمون بها أنفسهم ، وينكلون بها علي المواطنين أمام ناظريه حتي ظننت انهم سيخرمون إحدي عينيه ، حينها قام من قعدته مزعورا” ، وشعرت أنه سيرفع لهم التمام العسكري .
المضحك في الأمر أن كل ما يجري في هذه الأثناء لم يعره أبني إهتماما ، يبدو ان اللعبة التي كان مشغولا” بها كانت أمتع من النظر لهولاء العصبة!! ،
كانت نظرة من قائدهم   كفيلة بدخول الاربعة الباقين الي الغرفة الداخلية من المكتب ، وكأنهم يعرفون المكتب أكثر مني ، وبدءوا مباشرة في أخذ كل ما في المكتب من أجهزة الكمبيوتر الموجودة قديما كان او جديد ،وكراتين ،وبكتات  ، وأدوات للكتابة علي الحائط ، وأحبار جديدة لياخذونها مباشرة ويخرجون والقائد ومعه ثلاثة يقفون مكتوفي الأيدي ينظرون لي ولزائري ، حتي لم يبق في المكتب سوي اللاب توب وانا وصديقي ، والجوال الذي في يدي ، والذي في داخل ذاكرته (بلاوي سوداء) لقوى المعارضة وصار جل همي التخلص منها فعادة أضع كل شئ في (ذاكرة) تحاشيا لهذا اليوم .
في تلك اللحظات طلب مني قائدهم تسليمه اللاب توب الذي بحوزة أبني وهو  مشغولا به ، لايهمه ما يحدث ولم يرفع رأسه حتى يرى  خارج إطار شاشته ، وكانت فرصة مواتية لإرضاء ابني والتخلص من ذاكرة الجوال ، الذي كان بيدي ، وانا أتحدث مع إبني واترجاه محاولا إقناعه بان هؤلاءالأخوة  جاءوا لاخذ اللاب توب وصيانته حتى لا أبث الذعر في قلبه الصغير؛فيجب أن نغلقه ونضعه في هذه الحقيبة ، كما ان الجوال ايضا سأضعه ايضا في الحقيبة الأخري ايضا ، وهم في متابعة أبني كي يضع اللاب توب قمت بسحب قابس الكهرباء من  اللا توب وابني متزمرا ويصرخ في وجههم : (لكن القيم ما انتهى).
اغتنمت السانحة وسحبت  الذاكرة وانا أعلم أن هنالك (ياي )، يخرجها مباشرة ، و شعرت بأنها تخترق اصابعي بسرعة الضوء ، لتسقط داخل الحقيبة الفارغة التي تحوي بعض الاوراق  والمستندات ، ودفتر الشيكات ، ورميتها داخل الشنطة من يدي، وحملت الجوال في يدي ظنا” بأن المهمة قدإكتملت بنجاح وابني وضع لهم اللاب توب في الشنطة الخاصة الأخري ليأخذونه .
وقبل أن نتقدم خطوة طلب مني القائد وضع الجوال في الشنطة الأخري واعطائها له  (وكأنك يا أبوزيد ما غزيت ) والأدهي والأمر تحدث صديقي معي أمامهم بأنه مبعوث من المنزل لجلب خبز ، مودعا لي ومتمنيا” لي العون الإلهي ، ولكنهم تدخلوا في الحديث بصورة قاطعة طالبين منه الذهاب ايضا” معهم فانهم مأمورين باحضار كل من يكون مع غالب ، فترجاهم بأن المنزل لا يوجد به قطعة خبز ،ولديه اطفال صغار ينتظرونه فقالوا له : ( مافي زول بموت من الجوع ) فخاطبت قائدهم بخصوص أبني فقال لي : ( سوف نذهب لمنزلك لتوصيل ابنك لوالدته ) فوصفت له المنزل ، ونزلنا من المكتب متجهين للعربة الخاصة بترحلينا ، وكان النزول من الطابق الثاني للأسفل أيام لا بل شهور ، وعند وصولي للعربة وجدتهم ثلاثة عربات ، ولكنهم اختاروا لي انا وأبني وصديقي (بوكسي )كاشف من الخلف فيه جميع ما أخذ من مكتبي اعتلي الضابط القيادة وبجواره صديقي وابني في الكبينة الأمامية ، وانا وأربعة من الأمنجية بالخلف مع الادوات المسلوبة من مكتبي .
  
وبدات المسيرة لأشاهد السيارة التي تخص المتابعة وبها أربعة عساكر يرتدون زي ( ابوطيرة) كما نسميه نحن ويحملون اسلحة حديثة ، واتخذت السيارة مسار كبري شمبات ، ولم يعر القائد حديثي اهتمام بخصوص أيصال ابني لوالدته ، وسيارة المتابعة في الخلف ، شعرت ان الأمر اكثر من حديث إعلامي ضد النظام ،أو منشور ينادي بأسقاط النظام ، أو كتابة علي المواقع الإسفيرية ، كأنما جريمة قتل أرتكبها مجرم وبدأت أتخيل تحريات أمنهم البغيضة ، وقطع تخيلاتي توقف السيارة ، امام بوابة أعرفها جيدا” أنها موقف شندي
( ادارة الأمن والمخابرات الوطني) ، معقل البطش والتنكيل والتعذيب ، لتفتح له البوابات بسرعة وتدخل العربة لتقف امام احد العمارات ، وانظر لموقف السيارات واقرأ اللافتات مكتوب عليها الأدارة السياسية ، وآخري الادارة الفنية ، ولم يعطوني فرصة للتكملة .
طلبوا من النزول والدخول لمكتب جوار الاستقبال الخارجي ، وانا أدخل شاهدت سرير  داخل المكتب وعرفت انه سرير الضابط النبطشي ، وفي هذه الاثناء شعرت بإبني يسألني بصورة بريئة  وساذجة ، وعيونه مليئة بالدهشة : أين يريدون اصدقائك الذهاب بنا؟؟ ، هل سيصلحون اللابتوب في هذا المكان؟؟.
لم استطيع أن أرد عليه ؛فألالم كان يعتصر قلبي لمجئ إبني الصغير لهذا المكان البغيض ، وقلت في داخلي ياليتني يا أبني أعلم !!، فدخلنا جميعا في مكتب انا وابني وصديقي وكلف احد الجنود بحراستنا ، وسمعت بعضهم يهنئ القائد الذي أحضرنا ووجوهم مسرورة كان هنالك شئ لا أعلمه ، وهذا ما أقلقني .. قطع تفكيري حركة صديقي القابع في نهاية مكتب الإستقبال وهو يحرك يديه بصورة هسترية فهمت أنه يستفسر مني الأمر ، وماذا فعلت ؟ فقلت له بحديث خافت موضوع بسيط ، ولكنه ثار صارخا” قائلا” ( كيف ياغالب موضوع بسيط ، وإبنك الذي يبلغ اربعة سنوات ، رفضوا اطلاق سراحه ،واتوا به معك، وربما يتحروا معه ايضا” ) صرخ الحارس محذرا” بلغتهم العسكرية : (امنع الكلام يازول) احتضنت ابني وبدات أفكر في حديث صديقي اذا” هذا الأمر كبير حقا” ، لقد تم القبض علي عدة مرات ولكن هذه المرة تختلف عن سابقاتها ، في الطريقة والكيفية ، والكمية ، والتهانئ التي يتبادلها افراد الأمن ، انتابتني الهواجس والظنون ، ولكن عدت سريعا بالنظر للجندي وسألته عن الزمن ، وكانت الساعة قد تخطت الرابعة وابني لم ياكل شئ ولا انا ، سوي جرعات من المياه ، فطلبت منه ان ينادي علي  الضابط المبتهج ، شعرت في تلك اللحظة ان الموت أهون لي من زلة امام صغيري ، الذي يفخر بأبيه ، ويطمئن لجواره ، وبدات اسمع صراخ الجندي بالجلوس فأبت نفسي اطاعته ، فسمع الحديث الضابط الذي اظن انه كان قريبا” يتلذذ بمتعة الانتصار ليري الإنهزام في عيني ، فحضر مسرعا ، أحس ابني بالأمر فسالني ببساطة 🙁 بابا مالك زعلان ) جاوبته وكان الضابط قد حضر قلت له : يا ولدي  زعلت عمك عبدالرحيم الكتلتو ) فتدخل الضابط مخاطبا” شخصي ، ويبدوا ان انه أحس بما فعله من خروج  من عرف الاخلاق العسكرية والانسانية ، فارشدني لتلفون في مكتب الإستقبال ، وقال لي ( اولا في كلمتين دع احد من أهلك يأتي لياخذ الصغير ) وسيكون مقابل هذا العمل أن تقر بكل ما صدر منك ، فاجبت بهدوء :حاضر ، رغم اني لا أعرف ما صدر مني ، انتهيت من الاتصال  بأخي في عشرة كلمات  وهي كالأتي : ( انا مقبوض في موقف شندي معاي حمودي تعال وصلو لأمو ) .
في تلك اللحظة حضر اثنان وقادوا صديقي ( التجاني ) ولم أشاهده مرة اخري ، وجلست وجواري طفلي انتظر ، بين الاسئلة البريئة التي يطلقها إبني ، والتفكير في الإتهام الذي ينتظرني ، والذاكرة الملعونة التي تحمل كل اسرار مجموعات المعارضة، وتصاميم المنشورات ،والتخطيط للعمل الداخلي ، واسماء معارضين بكافة تفاصيلهم ، كما أنها تحوي القواعد السرية لشباب جامعيين يشاركون معنا في العمل العام ، كل ذلك وانا أنظر لإبني بعين الشفقة ، وهو يشاهد أباه يقاد مذلولا” مقهورا” .

يتبع …..
Ghalib Tayfour

Print Friendly, PDF & Email

عن laalaa

شاهد أيضاً

أصدر تحالف قوى الاجماع الوطني احد مكونات قوى الحرية والتغيير بيانا،انتقد فيه الميزانية التي اجازتها الحكومة الانتقالية

Share this on WhatsApp#الهدف_بيانات أصدر تحالف قوى الاجماع الوطني احد مكونات قوى الحرية والتغيير بيانا،انتقد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.