إن المأساة التى تعرض لها المواطنيين السودانيين قبل وبعد الإنفصال لا حصر لها ، فقد عانوا من نقض العهود وحروب الإبادة والتطهير العرقي منذ ميلاد حركة الأنانيا ون ولا يزالون ، حيث عملت الحكومات السودانية المتعاقبة علي قتلهم بدلا عن النظر حول قضاياهم المطلبية العادلة بمساواتهم مع السودانيين الآخرين وتطبيق نظام حكم فيدرالي في إطار السودان الموحد ، فشنت حكومات عبود والنميري حربا شعواء ضدهم حتي توقيع إتفاقية أديس ابابا في 1972 التى تنكر لها الأخير وإعتبرها ليست بإنجيل أو قرآن ، ثم سارت الحكومات الديمقراطية بزعامة الصادق المهدي علي منوال الحلول الأمنية وفرض السلام بالقوة لإسكات أصوات المنادين بالعدالة بل إستحدث نظام المليشيات القبلية (المراحيل) علي طول شريط حدود السودان وجنوب السودان من أم دافوق إلي الجبلين وهو العامل الذي حول مجري الحرب وأدخل البعد العرقي والقبلي في الصراع السياسي والمطلبي ، حيث قامت حكومة المهدي بتسليح القبائل العربية وإطلاق يدها لقتل المواطنيين الجنوبيين ونهب ثرواتهم وممتلكاتهم وسبي النساء والأطفال ، وتعرض المواطنيين السودانيين من جنوب السودان لأبشع مجزرة عرفت بمجزرة الضعين حيث تم حرقهم أحياءا دون وازع من ضمير أو أخلاق .
ثم جاءت حكومة الجبهة القومية الإسلامية (الأخوان المسلمين) 1989م ومشروعها الحضاري ، فأعلنت الجهاد علي الجنوبيين وجبال النوبة والنيل الأزرق وإعتبرتهم جميعا كفارا يريدون إطفاء نور الله والإسلام في السودان وأحلت سفك دمائهم بأدلة من الكتاب والسنة وجيشت الشباب الذين يبغون الحور العين ، فأرتكبت مجازرا لا مثيل لها في القرن الحديث إلا مجزرة دارفور 2003_2005م بل ذهب النظام لأبعد من ذلك حيث أعادة إنتاج قوات المراحيل القبلية تحت مسميات الدفاع الشعبي والدبابين لتتحول الحرب إلي حرب عرقية دينية وتوهموا حينها بأن سحق الجنوبيين هو بداية طريق أسلمة إفريقيا عبر السيف بل مضوا إلي أكثر من ذلك حيث جن جنونهم وهددوا أمريكا وروسيا بدنو عذابها وأن حوافر خيلهم سوف تدق أسوار البيت الأبيض والكرملين.
فشل نظام الجبهة القومية الإسلامية في تحقيق إنتصار نهائي علي المواطنيين السودانيين في جنوب السودان وجبال النوبة والنيل الأزرق رغم إستخدام كافة الأسلحة والتكتيكات السياسية ، وخوفا علي كرسيهم الذي بدأ يهتز من تحت أرجلهم بفعل الضغوط الداخلية والخارجية وصمود الجيش الشعبي قرروا فصل الجنوب حتى لا تتأثر بقية أقاليم السودان ، فكانت إتفاقية نيفاشا 2005م والتى لم يتنازلوا فيها عن وحدة السودان وإستقراره وحسب بل تركوا حتى رفات الشباب السودانيين الذين زجوا بهم في حرب عبثية خاسرة حيث كان زعيم التنظيم حسن الترابي حينها وكيلا للحور العين في أرض السودان ، ولكن بعد المفاصلة قال بما يفيد أن الذين زج بهم في حروب جنوب السودان ليسوا بشهداء بل فطايس !!
قبيل إنفصال جنوب السودان 2011م ردد كثير من قادة النظام تصريحات عنصرية بحق الجنوبيين توضح بجلاء مدى الحقد والكراهية تجاه أي مواطن جنوبي دون مراعاة لمشاعرهم وسودانيتهم وإنهم شركاء في تاريخ وحاضر السودان ، وهدد كمال عبيد (حقنة) بعدم إعطاء الجنوبيين حقنة للعلاج لممارستهم حق تقرير المصير وتكوين كيانهم الخاص في أبشع صور عدم الإنسانية والقيم والأخلاق ، ثم حادثت ذبح الثور الأسود التى أقدم عليها العنصري الطيب مصطفي (خال الرئيس) بعيد إعلان نتيجة التصويت للإنفصال ونعلم دلالة اللون الأسود وما تحويه من عنصرية مقيتة لا تصدر من نفس سوية ، ثم وصف البشير للجنوبيين وعموم منسوبي الشعبية بالحشرات متناسيا إنه رئيس الأمر الواقع لهؤلاء (الحشرات) الذين قال فيهم سوف نطاردهم كركور كركور وجبل جبل ، وخطاب علي عثمان طه وأوامره للأجهزة الأمنية بقتل أي مواطن يقوم بالتجارة مع الجنوب مطالبا إياهم ضربه بالرصاص بغرض قتله (Shoot to kill) .
ثم تدخلات نظام البشير في الشؤون الداخلية لجنوب السودان بعد إستقلاله ودعم التمردات لزعزعة الإستقرار في الدولة الوليدة ومنعها من التطور والنمو ، حيث دعم تمرد جورج أطور ود.لام أكول وديفيد ياوياو ثم د.رياك مشار ولا يزال إمعانا في إذلال وقتل الجنوبيين حتي بعد أن أعلنوا دولتهم الحركة المستقلة ، بل أن أيادي النظام الآثمة طالت حتى المواطنين الجنوبيين العزل الذين فروا إلي شمال السودان إضطرارا وليس حبا بعد الحرب التى أشعلها النظام داخل بلدهم ، فتعرضوا للتضييق والإهانة بل القتل كما حدث في الضعين والنيل الأبيض ، فالنظام يريد التخلص من هؤلاء اللاجئين الجنوبيين فلجأ إلي حياكة المؤامرات والإتهامات الكاذبة مثل إتيانهم بوباء الكوليرا أو إنهم إغتصبوا معلمات وخلافها من الأكاذيب التى لا يصدقها عقل عاقل ، وكل ذلك لإيجاد مبرر لطرد بل قتل الجنوبيين وإثارة المجتمعات التى إحتضنتهم كإخوة وضيوفا أعزاء .
ففي حين أن نظام البشير يحتفي باللاجئين السوريين واليمنيين والعراقيين ويمنحهم الجنسية السودانية خلال أسابيع من وصولهم وإمتيازات لم تتحقق للسودانيين (أسياد البلد) نجده يضيق الخناق علي إخواننا الجنوبيين الذين أجبرتهم الظروف علي مغادرة وطنهم رغم إنهم شركاء في أصول الدولة السودانية وما من مدينة أو مرفق عام أو مؤسسة إلا وقامت علي أكتافهم ، وللمفارقة أن ثلاثة من كبار الضباط الجنوبيين بالقوات المسلحة كانوا من ضمن قادة إنقلاب البشير المشئوم (العميد / بيويو كوان ، العميد/ دومنيك كاسيانو والعقيد/ مارتن ملوال) !!
عذرا شعبي في جنوب السودان فإنكم تعلمون قبل غيركم بأن نظام الخرطوم لا يمثل الشعب السوداني وقيمه وأخلاقه الفاضلة التى تعرفونها. وتعلمون إنه عذب وقتل وأزهق أرواح السودانيين في كل أرجاء الوطن ، فلا تزال دارفور تنزف وجبال النوبة والنيل الأزرق وقتل شباب السودان في سبتمبر 2013م وطلاب الجامعات وكمم الصحف والأفواه ، كما فعل بأهلنا في الجزيرة وشرق السودان وأمري وكجبار وفي قلب الخرطوم.
ثورة الشعوب السودانية قادمة لا محالة وسوف تشيع الدكتاتور إلي مزابل التأريخ وحينها نقول مرحبا بكم في وطنكم السودان مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات ولكم كامل الحرية مثل غيركم من شعوب السودان.
محمد عبد الرحمن الناير (بوتشر)
4 أغسطس 2017م